وإن كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب ، سواء كانت دينيّة كصيرورة المكلّف بارتكاب الشبهة أقرب إلى ارتكاب المعصية ، كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار المتقدّمة ، أم دنيويّة كالاحتراز عن أموال الظلمة ، فمجرّد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا ، والمفروض أنّ الأمر بالتوقّف في هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته ، لأنّ المفروض كونه للإرشاد ، فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضارّ المحتملة. فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيّا بمعنى ترتّب العقاب على ارتكابه.
وما نحن فيه ـ وهي الشبهة الحكميّة التحريميّة ـ من هذا القبيل ، لأنّ الهلكة المحتملة فيها لا تكون هي المؤاخذة الاخرويّة باتفاق الأخباريّين ، لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرّد مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة وإن زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف في الشبهة بأوامر التوقّف والاحتياط ، فإذا لم يكن المحتمل فيها هو العقاب الاخرويّ كان حالها حال الشبهة الموضوعيّة ، كأموال الظلمة والشبهة الوجوبيّة ، في أنّه لا يحتمل فيها إلّا غير العقاب من المضار ، والمفروض كون الأمر بالتوقّف فيها للإرشاد والتخويف عن تلك المضرّة المحتملة.
وبالجملة ، فمفاد هذه الأخبار بأسرها التحذير عن الهلكة المحتملة ، فلا بدّ من إحراز احتمال الهلكة ، عقابا كانت أو غيره.
وعلى تقدير إحراز هذا الاحتمال لا إشكال ولا خلاف في وجوب التحرّز عنه إذا كان
____________________________________
وشرعا من باب الإرشاد ، كأوامر الطبيب بترك المضار ، وإن كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب ، لكان التوقّف والاجتناب عن الشبهة مستحبا شرعا ، والمقام من هذا القبيل وذلك لأنّ الهلكة المحتملة فيها لا تكون فيها المؤاخذة الاخروية باتفاق الأخباريين ، وذلك لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة وبأن الأمر فيها للإرشاد.
والحاصل أنّ التوقف لو كان واجبا لكان وجوبه إرشاديا ، فلا ينفع للأخباري كما تقدّم تفصيله. هذا ملخّص الجواب الرابع ، وتفصيله موجود في المتن بوضوح فلا يحتاج إلى مزيد التوضيح فراجع.