ومن المعلوم أنّ هذا من مستقلّات العقل الذي لا تدلّ أخبار التوقّف ولا غيرها من الأدلّة النقليّة على خلافه. وإنّما تثبت أخبار التوقّف بعد الاعتراف بتماميّتها على ما هو المفروض تكليفا ظاهريّا بوجوب الكفّ وترك المضي عند الشبهة ، والأدلّة المذكورة لا تنفي هذا المطلب. فتلك الأدلّة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل ، فلا معنى لأخذ الترجيح بينهما ، وما يبقى من السنّة من قبيل قوله عليهالسلام : (كلّ شيء مطلق) (١) لا يكافئ أخبار التوقّف ، لكونها أكثر وأصحّ سندا. وأمّا قوّة الدلالة في أخبار البراءة فلم تعلم. وظهر أنّ الكتاب والعقل لا ينافيان وجوب التوقّف.
____________________________________
استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لا يعلمه المكلّف).
وحاصل الجواب هو أنّ أكثر أدلّة البراءة يدلّ على البراءة ، وعدم استحقاق العقاب على مخالفة ما لم يعلمه المكلّف من الحكم ، ولم يوجد فيه بيان من الشارع أصلا ، أي : لا خاصّا ولا عامّا.
ومن المعلوم أن أدلّة التوقّف بيان للحكم الظاهري في مورد الشبهة ، فتكون واردة على أدلّة البراءة ، لكونها رافعة لموضوعها الذي هو عدم البيان ، وبذلك لا يبقى تعارض بينهما حتى يرجع إلى قاعدة التعارض من الترجيح أو التخيير ، إذ لا تعارض بين الدليل الوارد والدليل المورود كما هو واضح.
(وما يبقى من السنّة من قبيل قوله عليهالسلام : (كل شيء مطلق)).
حيث لم يكن ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط واردا ، بل يقع التعارض بينهما ، حيث يدل قوله عليهالسلام : (كل شيء مطلق) على البراءة بالصراحة ، وعلى نفي وجوب الاحتياط بالالتزام ، إلّا إنّه خبر واحد لا يكون مكافئا لما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط ، لكون ما دلّ على وجوب الاحتياط أكثر عددا وأصحّ سندا.
(وأمّا قوة الدلالة في أخبار البراءة فلم تعلم ... إلى آخره).
أي : إنّ قوة الدلالة في أخبار البراءة غير معلومة ، بل الأمر بالعكس. وأمّا اعتضادها بالكتاب والعقل وإن كان مسلّما ، إلّا إنّ ظاهر الكتاب والعقل لا ينافي وجوب التوقّف بعد
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧. الوسائل ٢٧ : ١٧٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٧.