اخرى : العلم الإجمالي قبل الرجوع إلى الأدلّة ، وأمّا بعده فليس هنا علم إجمالي.
قلت : إن اريد من الأدلّة ما يوجب العلم بالحكم الواقعي الأوّلي ، فكلّ مراجع في الفقه يعلم أنّ ذلك غير متيسّر ، لأن سند الأخبار لو فرض قطعيّا لكن دلالتها ظنيّة ، وإن اريد منها ما يعمّ الدليل الظنّي المعتبر من الشارع فمراجعتها لا توجب اليقين بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم إجمالا ، إذ ليس معنى اعتبار الدليل الظنّي إلّا وجوب الأخذ
____________________________________
عداها ... إلى آخره).
وحاصل الإشكال هو أنّ قاعدة الاشتغال تجري فيما إذا ثبت اشتغال ذمّة المكلّف بالتكليف ولو بالعلم الإجمالي ، وكان المكلّف متيقّنا بالاشتغال حتى يجب الاحتياط تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، فإذا انتفى اليقين باشتغال الذمّة لا مجال لوجوب الاحتياط ، فوجوب الاحتياط يدور مدار الاشتغال اليقيني ، والاشتغال اليقيني في المقام يدور مدار وجود العلم الإجمالي بوجود محرّمات كثيرة في الشرع ، وهذا العلم الإجمالي وإن كان حاصلا قبل المراجعة إلى الأدلّة إلّا إنّه ينتفي بعد المراجعة إلى الأدلّة والاطّلاع بمقدار ما هو المعلوم بالإجمال من المحرّمات ؛ وذلك لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى ما وجد بالرجوع إلى الأدلّة من المحرّمات ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى ما عداها ، فيكون مجرى قاعدة البراءة.
(قلت : إن اريد من الأدلّة ما يوجب العلم بالحكم الواقعي الأوّلي ، فكل مراجع في الفقه يعلم أنّ ذلك غير متيسّر ... إلى آخره).
وحاصل الجواب : أنّ ما ذكر في تقريب الإشكال من انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، إنّما يتمّ ويصحّ فيما إذا كانت الأدلّة الدالّة على وجود المحرّمات ـ بمقدار المعلوم بالإجمال ـ مفيدة للعلم ، بأن كانت علميّة لا ظنيّة وذلك غير متيسّر كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله : إنّ ذلك غير متيسّر ؛ وذلك لقلّة الأدلّة العلميّة ؛ لأنّ الأخبار أكثرها ظنيّة سندا ودلالة ، ولو فرض فيها ما هو مقطوع الصدور لكانت دلالته ظنيّة ، والكتاب وإن كان قطعيّا من حيث الصدور ، إلّا إنّ دلالته ظنيّة ، وحينئذ لا تكون هذه الأدلّة مفيدة للعلم بالحكم الواقعي حتى توجب انحلال العلم الإجمالي.
(وإن اريد منها ما يعمّ الدليل الظنيّ المعتبر من الشارع فمراجعتها لا توجب اليقين