قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١) ونحوه ـ الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب ، أو اليقين بعدم العقاب ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتّفاق المجتهدين والأخباريين ، وبعد مراجعة الأدلّة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرّمات الواقعيّة ، فلا بدّ من اجتناب كلّ ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعي يدلّ على حلّيّته ، إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير الحرمة واقعا.
فإن قلت : بعد مراجعة الأدلّة نعلم تفصيلا بحرمة امور كثيرة ، ولا نعلم إجمالا بوجود ما عداها ، فالاشتغال بما عدا المعلوم بالتفصيل غير متيقّن ، حتى يجب الاحتياط ، وبعبارة
____________________________________
اليقينيّة لا تحصل إلّا بذلك.
وقوله : (يجب ـ بمقتضى قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ونحوه ـ الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب ... إلى آخره).
ظاهر في الاستدلال بالآية على وجوب تحصيل اليقين بالبراءة ، لا بالعقل ، إلّا أن يقال : إنّ الاستدلال بالآية من باب تأييد العقل ، ليكون العقل مؤيّدا بالنقل ، فيكون حجّة عند الأخباريّين كما تقدّم في القطع.
ثمّ إنّ المراد بالاتّفاق في قوله باتّفاق المجتهدين والأخباريّين ليس هو الإجماع المصطلح الكاشف عن قول الإمام عليهالسلام حتى يرد على الاستدلال المزبور بأنّه ليس بالعقل أصلا ؛ لأنّ وجوب الانتهاء عمّا نهى الرسول قد ثبت بالآية ، ووجوب تحصيل اليقين بالفراغ عن التكليف تشبّث بالإجماع ، فأين هذا من الاستدلال بالعقل؟!
بل المراد بالاتّفاق هو الاتّفاق الناشئ عن حكم العقل ، فيرجع الاستدلال به على وجوب تحصيل اليقين بالفراغ إلى الاستدلال بالعقل ، فلا مجال للإيراد.
وبالجملة إن الاشتغال اليقيني ولو بالعلم الإجمالي يقتضي البراءة اليقينيّة وهي لا تتحقّق إلّا بوجوب الاحتياط والاجتناب عن كلّ محتمل الحرمة.
(فإن قلت : بعد مراجعة الأدلّة نعلم تفصيلا بحرمة امور كثيرة ، ولا نعلم إجمالا بوجود ما
__________________
(١) الحشر : ٧.