وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط ، فالمرجع إلى الأصل ، ولو تنزّلنا عن ذلك فالوقف ، كما عليه الشيخان ، واحتج عليه في العدّة بأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم المفسدة فيه.
____________________________________
فنقول :
إن الأقوال في هذه المسألة على ما يظهر من كلام المصنّف قدسسره ثلاثة هي : الحظر ، والتوقّف ، والإباحة.
وقد أشار المصنّف قدسسره إلى الأوّل بقوله : إن الأصل في الأفعال غير الضرورية الحظر ... إلى آخره ، وإلى الثاني بقوله : ولو تنزّلنا عن ذلك فالوقف ... إلى آخره ، وإلى الثالث بقوله : وإن قال بأصالة الإباحة ... إلى آخره.
قوله : (وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط ... إلى آخره).
دفع لما قد يتوهّم من أنّ الأصل في الأشياء وإن كان هو الحظر مع قطع النظر عن الشرع ، فيعمل به حتى تثبت الإباحة شرعا ، إلّا إنّه قد ثبتت الإباحة شرعا فيما لا نصّ فيه بأدلّة البراءة ، وبذلك لا ينفع هذا الأصل في إثبات مفاد كلام الأخباريّين.
وحاصل الدفع أنّ ما ورد على تقدير تسليم دلالته من أدلّة البراءة معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط فيتساقطان ، ويرجع إلى الأصل المذكور وهو الحظر. هذا تمام الكلام فيما يظهر من المصنّف قدسسره من الأقوال.
وأمّا ما استدل به لكلّ واحد منها ، فاحتجّ القائلون بالحظر بأنّ الأشياء كلّها لله تعالى ، ومن البديهي عند العقل هو عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذن منه ، فيحكم بقبح التصرف في مال الغير بغير الإذن.
وفيه : إنّ ذلك صحيح في نفسه ، إلّا إنّ الله تعالى خلق الأشياء للإنسان لا لنفسه ، لعدم الحاجة كما يدل عليه قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً)(١) وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(٢).
__________________
(١) غافر : ٦٤.
(٢) غافر : ٧٩.