يدخل في عنوان المؤاخذة من اللّوازم المترتّبة مع الجهل ـ أيضا ـ فوجوب دفعها غير لازم عقلا ، إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوي المقطوع إذا كان لبعض الدواعي النفسانيّة ، وقد جوّز الشارع بل أمر به في بعض الموارد ، وعلى تقدير الاستقلال فليس ممّا يترتّب عليه العقاب ، لكونه من باب الشبهة الموضوعيّة ، لأنّ المحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في هذا المقام مشكوك ، كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاصّ ، والشبهة الموضوعيّة لا يجب الاجتناب عنها باتّفاق الأخباريّين أيضا ، وسيجيء الكلام في الشبهة الموضوعيّة إن شاء الله تعالى.
____________________________________
من العقاب ، يجب على الحكيم تعالى بيانه فهو مع عدم البيان مأمون ... إلى آخره).
وما يظهر من هذا الكلام هو عدم تسليم المصنّف قدسسره لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل عقابا كان أو غيره ، وعلى فرض تسليم حكم العقل يدفع الضرر ، فلا ينفع في المقام.
وذلك لأنّ الضرر المحتمل لا يخلو عن أحد أمرين :
أحدهما : أن يكون اخرويّا.
وثانيهما : أن يكون دنيويّا.
وحينئذ إذا كان المراد به هو الأوّل كان معلوم العدم ، وذلك لعدم احتمال العقاب في المقام بجريان قاعدة قبح العقاب من غير بيان ، فتكون هذه القاعدة واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر كما تقدّم في البراءة العقليّة ، وإذا كان المراد به هو الثاني أي : الضرر الدنيوي فدفعه غير لازم عقلا ، إذ العقل لا يحكم بوجوب دفع الضرر المقطوع منه فضلا عن المحتمل ، وذلك لما نرى بالحسّ من تحمل العقلاء الضرر المقطوع للدواعي النفسانية ، بل الشارع أمر به في بعض الموارد كالجهاد مع الملحدين والمشركين وباب القصاص.
وعلى تقدير قبح ارتكاب الضرر الدنيوي عقلا ، وترتّب العقاب عليه شرعا ، فليس هذا الحكم من العقل ممّا يترتّب عليه العقاب شرعا في صورة الشكّ في الضرر ، لكون الشبهة ـ حينئذ ـ شبهة موضوعيّة لا يجب الاجتناب عنها باتّفاق من الأخباريّين ؛ وذلك لأنّ المحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في هذا المقام الذي يحتمل فيه الضرر مشكوك ، فلذا تكون الشبهة موضوعية وهي خارجة عن محل النزاع.