أفاده لم يكن معتبرا ، إلّا إنّ الذي يظهر من جماعة كونه من الأدلّة الظنّيّة ، منهم صاحب المعالم رحمهالله عند دفع الاعتراض عن بعض مقدّمات الدليل الرابع الذي ذكره لحجيّة خبر الواحد ، ومنهم شيخنا البهائي رحمهالله.
ولعلّ هذا هو المشهور بين الاصوليّين ، حيث لا يتمسّكون فيها إلّا باستصحاب البراءة السابقة ، بل ظاهر المحقّق رحمهالله في المعارج الإطباق على التمسّك بالبراءة الأصليّة حتى يثبت الناقل ، وظاهره أنّ اعتمادهم في الحكم بالبراءة على كونها هي الحالة السابقة الأصليّة.
والتحقيق أنّه لو فرض حصول الظنّ من الحالة السابقة فلا يعتبر ، والإجماع ليس على اعتبار هذا الظنّ وإنّما هو العمل على طبق الحالة السابقة ولا يحتاج إليه بعد قيام الأخبار المتقدّمة وحكم العقل.
____________________________________
والحاصل إنّ مقتضى الأدلّة هي الإباحة ، بمعنى : عدم المنع الشرعي ونفي العقاب من غير ملاحظة الظنّ بعدم تحريمه في الواقع ، فلا تكون أصالة البراءة من الأمارات ، وإنّما تفيد القطع بعدم اشتغال الذمّة بالتكليف الفعلي ، وبذلك تدخل ضمن الاصول العمليّة.
وبالجملة إنّ أصل البراءة يكون من الاصول العمليّة ، وإنّ مفاده هو القطع بعدم العقاب والإلزام في مرحلة الظاهر ، وذلك لعدم المنع الشرعي المستلزم للعقاب.
(إلّا إنّ الذي يظهر من جماعة كونه من الأدلّة الظنيّة ، منهم صاحب المعالم رحمهالله).
حيث تمسّك بدليل الانسداد مضافا إلى تمسّكه بآيتي النفر والنبأ والإجماع ، فقال : أصالة البراءة لا تفيد إلّا الظنّ ، فيستفاد من كلامه هذا هو كون أصالة البراءة من الأدلّة الظنيّة ، ومنهم الشيخ البهائي حيث قال : والبراءة الظنّية.
ولعلّ هذا أي : كون أصل البراءة من الأدلّة الظنيّة هو المشهور بين الاصوليّين الذين تمسّكوا للبراءة بعدم الدليل حيث يكون عدم الدليل دليلا ظنيّا عندهم على عدم التكليف في الواقع فيما تعمّ به البلوى.
نعم ، إنّ هذا الظنّ لم يكن معتبرا شرعا لعدم الدليل على اعتباره ، مضافا إلى تمسّكهم باستصحاب البراءة الأصليّة حيث جعلوا اعتبار الاستصحاب منوطا بالظنّ.
وممّا تقدّم يظهر أن أصالة البراءة عندهم من الأدلّة الظنيّة لا من الاصول العمليّة لاعتمادهم في إثبات كون البراءة الأصليّة مفيدة للظنّ ببقاء الحالة السابقة ، كما يظهر من