رحمانيّ ولو من بعض الجهات وفي بعض الأقسام ؛ حيث إنّ أصل مبناه على جواز الاستبداد بالرأي الذي هو من إبداع الشيطان وخطواته التي منع اللّه عنها في الآية السابقة .
بل ربّما يقال : إنّ في الآية إشارة أيضاً إلى المسلكين المذكورين ، كما يشعر به تعبير الأوّل بالسِّلم والثاني بالخطوات جمعاً ، فإنّ أصحاب هذا الحال على أنواع شتّى بحسب اختلاف آرائهم في هذا المقال ، فمن هؤلاء الطوائف الذين مدار اعتمادهم في جميع ما يتعلّق بأديانهم على ما تدلّ عليه سوانح عقولهم وأوهامهم ، وتدعو إليه نتائج أفكارهم وأذهانهم ، وأكثر أهل هذا النوع ممّن لا يقول بربّ العالمين ، ولا يؤمن بنبيّ ولا كتاب مبين ولا يدين بشريعة المرسلين .
وذكر الشهرستاني بعضاً منهم ؛ حيث قال : إنّ منهم من ألِف المحسوس وركن إليه ولا يهتدي إلى معاد ، بل يظنّ أن لا عالَم إلاّ ما هو فيه من مطعم شهيّ ، ومنظر بهيّ ، ولا عالَم وراءه وهم الدهريّون (١) والطبيعيّون (٢) وأمثالهم ، كجمع من المشركين والكفّار وكبعض التناسخيّة
__________________
(١) الدهريّة : فرقة من الكفّار قالوا : بقِدَم العالَم والدهر ، واستناد الحوادث إلى الدهر ، ومذهب الدهريّة عند الفرس مذهب الزروانيّة ، أي : الاعتقاد بآلهة الزمان ، المعروفة عندهم .
انظر : المقالات والفِرَق : ٦٤ / ١٢٧ و١٩٤ ، الحور العين : ١٤٣ ، تلخيص المحصّل لنصير الدين الطوسي : ٤٦٤ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ١٤٩ / ٥٤٠ ، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم ١ : ٨٠٠ .
(٢) الطبيعيّون : هم أهل العلم الطبيعي ، ويطلق أيضاً على فرقة يعبدون الطبائع الأربع : الحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ؛ لأنّها أصل الوجود ، إذ العالم مركّب منها ، وتسمّى هذه الفرقة بالطبائعية كذا في الإنسان الكامل .
انظر : موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون ٢ : ١١٣٠ .