بالعكس ، فاستكبروا ـ كإبليس ـ متشبّثين بنحو ما تشبّث به هو وتلامذته ـ الذين سبق النقل عنهم ـ من الشُبه والتلبيس عن الانقياد لمن كان [في (١) ] مقام ذلك النبيّ من اللّه على العباد ، حتّى ضلّ أكثرهم بذلك في تيه اختلافات الآراء ، ودرك ابتلاء الشقاء إلى يوم الجزاء ، كما مرّ في أخير فصول الباب السابق (٢) ، ويأتي أيضاً أنّ عامّة اُمّة موسى عليهالسلام استكبروا بعده عن تمكين يوشع بن نون عليهالسلام وصيّه من أمره ، فأدخلوا في ذلك غيره من أصحاب موسى عليهالسلام بآرائهم ، فنزّلوا يوشع عن مرتبته ، وشبّهوه بغيره الذي غلوا فيه ، حيث جعلوه في درجة القيام بمقام موسى عليهالسلام كليم اللّه ؛ بقياس الاشتراك في صحبة موسى عليهالسلام والنسبة إلى إسرائيل ونحوهما من غير التوجّه إلى ما كان في يوشع من النصّ والفضائل وكمال العقل والعلم (٣) وغيره ممّا خصّه اللّه به ، بعين ما مرّ في قياس إبليس وأقيسة تلامذته الفلاسفة وغيرهم من منكري الأنبياء (٤) ، فشوّشوا الأمر حينئذٍ على يوشع ، ووقع بذلك الاختلافُ بينهم ، حتّى صاروا بضعةً وسبعين فرقة فيهم : المجبّرة ، والمشبّهة ، والمرجئة ، والقدرية ، وغيرهم ممّا أشرنا سابقاً إلى بعض منهم (٥) ، وسنشير أيضاً فيما يأتي ، حتّى الغُلاة صريحاً ، كما أخبر اللّه تعالى بقولهم في عزير ، واتّخاذهم أحبارهم أرباباً (٦) بالتزام إطاعتهم فيما قالوا لهم بآرائهم .
__________________
(١) إضافتها أنسب للسياق .
(٢) راجع ج ١ ، ص ٣٩٢ وما بعدها .
(٣) في «س» و«ن» : وفضائل كمال العلم .
(٤) راجع ج ١ ، ص ٣٩٣ .
(٥) راجع ج ١ ، ص ٣٩٢ وما بعدها .
(٦) إشارة إلى معنى الآيتين ٣٠ و ٣١ من سورة التوبة ، وهما : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ . . . ) و( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا . . . . ) .