الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ ) (١) ، الآية .
قال : فهذه التي كانت في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو على شوكته وقوّته وصحّة بدنه ، والمنافقون يخادعون ويظهرون الإسلام ، وإنّما كان يظهر نفاقهم في كلّ وقت بالاعتراض على حركاته وسكناته وكلماته ، حتّى صارت تلك الاعتراضات كالبذور ، وظهرت منه الشبهات بعده كالزروع (٢) .
هذا كلامه هاهنا ، وظاهر أنّه حجّة على القوم ، حيث إنّه مع كون الرجل من أعيانهم ، كلام متين مبين في نفسه ، ينطبق على ما مرّ من مسالك السابقين ، وينطبق عليه ما صدر من اللاّحقين ، كما سنبيّن نحن نُبَذاً منه ، فإنّ هذا الرجل وكذا غيره مع تنصيصهم أحياناً بما يظهر منه حقيقة الحال تغافلوا كثيراً عن تبيان ما يضرّهم من حقّ المقال عند تفصيل الأحوال .
فاعلم أنّ ما ذكره كما ذكره ، بل إنّ جمّة من الاعتراضات الناشئة ممّا ذكره صدرت من الصحابة أيضاً ، بل ممّن هو من أعيانهم عند القوم ، وكفى في هذا ما ذكروه هم من منازعات عمر بن الخطّاب ، لا سيّما ما هو المسلّم المشهور من جداله ونزاعه يوم (٣) الحديبية ، بمحض الاستحسان العقلي في مقابل صريح أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حتّى نقل جمع من أتباعه عنه أنّه اعترف صريحاً بأنّه شكّ ذلك اليوم ، وكذا في يوم عمرة المتعة ، كما هو مذكور في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما (٤) ، وسيأتي كثير منها كلٌّ في محلّه ، حتّى
__________________
(١) سورة الرعد ١٣ : ١٣ .
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢١ ـ ٢٢ .
(٣) في «م» و «س» و«ش» زيادة : عمرة .
(٤) صحيح البخاري ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، و ٦ : ١٧٠ ـ ١٧١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ / ١٧٨٥ ، المصنّف لعبد الرزّاق ٥ : ٣٣٩ / ٩٧٢٠ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ٣٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٥٣٧ / ١٥٥٤٥ ، المعجم الكبير ٢٠ : ١٣ ـ ١٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٢٢٢ ، تاريخ الإسلام (المغازي) : ٣٧١ .