وبفهمه من القرآن ، أو لخوف غفلتهم عن ذلك ، أو صدور استنكار من أحد فيه .
وعلى أيّ تقدير يكون منع المانع عن ذلك ـ لا سيّما مع استظهاره فيه بقوله : حسبنا كتاب اللّه ـ كالتصريح منه بأنّ الأمر ليس كذلك ، فكأنّه قال : لا حاجة لنا إلى بيان ما أردته لنا ؛ حيث إنّا من المنزّهين عمّا خفت علينا ، والعالمين بالكتاب والاستنباط منه .
ولا يخفى أنّه عين الغلوّ والارتفاع على حذو ما مرّ من القياس ، والكلام من تلامذة إبليس في جواب دعوة الأنبياء مع كونه فاسداً أيضاً ، كما هو ظاهر وسيتّضح كمال الوضوح .
وأمّا ثانياً : فلأنّ المنع الذي صدر من ذلك المانع كان في نفسه خطأً وضلالاً ، ناشئاً من خطأ وضلال ، موقِعاً في الخطأ والضلال والإضلال ، مستعقباً لشُبهٍ في ضلال ، كما كان كذلك بعينه إباء إبليس عن سجدة آدم عليهالسلام ، وتلامذته عن قبول الأنبياء ، وقد مرّ بيان وجوه ضلال ما صدر من الشيطان وتلامذته ، وسنبيّن هنا وجوه ضلال هذا المنع بحيث يظهر على من لاحظها جهة انطباقها ، فنقول :
أمّا كون ذلك المنع خطأً وضلالاً ، فمن وجوه ، منها : ما مرّ آنفاً .
ومنها : ما مرّ سابقاً في حكاية الشيطان من أنّ العباد مكلّفون بالتسليم للّه ولرسوله في كلّ شيء ، من غير جواز سؤال سببه وحكمته أو خيال سقمه وصحّته ، قال عزوجل : ( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) (١) ، وقال : ( ا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) (٢) وأمثالهما كثيرة .
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ٢٠٨ .
(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٣ .