الغدير من معنى الولاية في قوله : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» ، حيث قال أوّلاً : «ألست أولى بكم من أنفسكم» (١) لكفى (٢) ذلك من غير شكّ ؛ لأنّ الناس لو اجتمعوا على إطاعة عليّ عليهالسلام كما اجتمعوا على إطاعة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لما حصل اختلاف ولا فساد ، ولما احتاجوا إلى رأي ولا اجتهاد ، لما سيتّضح تمام (الموضوع بتمام) (٣) الوضوح من علمه بجميع الأشياء ، آخذاً من اللّه ورسوله . وهكذا في عصر كلّ واحد من سائر الأوصياء المذكورين ، كما أنّه كذلك حالهم في عصر المهديّ عليهالسلام باتّفاق المؤالف والمخالف ؛ لما هو ميسّر له من الحكم المسلّم له على كافّة الناس .
فعلى هذا ، مَنْ مَنَع النبيّ صلىاللهعليهوآله من ذلك الكتاب ليس إلاّ هو السبب لما ذكرناه من الضلال والفساد .
نعم ، إذا قيل : إنّ مراده كان كتابة غير هـذا ، لورد ما ذكرتم ؛ لما هو ظاهر مسلّم من عدم كون علوم غيرهم بهذه المثابة ، ولا من هذا الطريق ، فلا أقلّ من حصول الخطأ الذي هو مصداق الضلال أيضاً ـ شرعاً وعرفاً ـ في بعض الأحكام والعقائد التي لم تكن مأخوذة من اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ، ألا تـرى إلى هـذا العالم المملوء بما ذكرناه مـن أنواع الاختلافات
__________________
السنّة لابن أبي عاصم ٢ : ٦٢٩ / ١٥٤٩ ـ ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٨ ، زين الفتى في شرح سورة هل أتى ١ : ٤٣٥ / ٢٧٠ ، المؤتلف والمختلف للدارقطني ٢ : ١٠٤٦ ، المستدرك للحاكم النيسابوري ٣ : ١٤٨ ، تاريخ مدينة دمشق ١٩ : ٢٥٨ / ٢٣٢٨ ، و٤١ : ١٩ / ٤٧٣٥ ، و٤٢ : ٢١٦ / ٤٩٣٣ ، و٥٤ : ٩٢ / ٦٦٢٠ ، فضائل الخمسة في الصحاح الستّة ٢ : ٥٢ ـ ٦٠ (باب قول النبيّ : إنّي تارك فيكم الثقلين) .
(١) معاني الأخبار : ٧٣ / ٨ ، الخصال : ٣١١ / ٨٧ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٥٥ / ٢٠ ، كمال الدين ٢ : ٣٣٧ / ٩ ، المناقب للخوارزمي : ١٣٤ / ١٥٠ ، و١٥٥ / ١٨٣ .
(٢) قوله : «لكفى» جواب لقوله : «لو كتب» في ص ١٢٩ .
(٣) ما بين القوسين في «ن» : بياض ، وهو لم يرد في «س» و«ش» .