أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (١) .
نعم ، سكوت النبيّ صلىاللهعليهوآله عمّا أراد لمّا رأى القال والقيل منهم يمكن أن يكون خوفاً من إجهارهم بمخالفته ـ كما ذكرناه آنفاً ـ واستحقاقهم نزول العذاب عليهم ـ كما سيأتي تحقيقه في الباب الخامس ـ مع إتمامه الحجّة عليهم ، وتبليغه الحقّ بما أخبرهم أوّلاً وأراد لهم دفعه بما لم يرضوا به ، بل مع حصول ما مرّ في التبيان سابقاً من إرادة اللّه امتحان العباد أيضاً .
وأمّا عمر الذي لا مدخل له في تأسيس الشرع ، ولا شراكة له مع الرسول صلىاللهعليهوآله ولا العلم بما يكون ، بل كان هو أصل وقوع فتنة هذا الجدال ، وأوّل من أبدى صفحته بالمخالفة لهذا المقال ، كيف يجوز (فيه هذا التوجيه ) (٢) ، لا سيّما بعد بروز ما ذكرنا من سرّ منعه ومفاسد رأيه (٣) ؟ فافهم .
ومنها : ما ذكره القاضي من التوجيه أيضاً : بأنّ منع عمر كان إشفاقاً على النبيّ صلىاللهعليهوآله من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب ، وأن يدخل عليه مشقّة من ذلك (٤) .
وسخافته أظهر من غيره ؛ إذ لا أقلّ من كمال ظهور أنّ تحمّل مثل هذه المشقّة كان أسهل وأحسن وأولى وأحرى لا سيّما عند النبيّ الرؤوف الشفيق الحريص على خير اُمّته من ترك الناس حتّى يقعوا في الضلال .
ومنها : ما ذكره هو أيضاً بقوله : وقد قيل : إنّ عمر خشي تطرّق (٥) المنافقين ومَن في قلبه مرض لمّا كتب ذلك الكتاب في الخلوة ، وأن
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦ .
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» : «فيه التوجيه» ، وفي «ن» : «له هذا التوجيه» .
(٣) في «م» : «فهمه» بدل «رأيه» .
(٤) الشفا للقاضي عياض ٢ : ٤٣٥ .
(٥) في هامش النسخ المعتمدة : «تصرّف» بدل «تطرّق» .