الاُمّة من أنّه لا يجوز أن يخالف في ذلك في حال حياته ، وأمّا بعد وفاته فقد يجوز أن يخالف ؛ يدلّك على ذلك أنّه قد أمر اُسامة بأن يخرج بأصحابه في الوجه الذي بعث فيهم ، فأقام اُسامة عليه وقال : لم أكن لأسأل عنك الركب ! ثمّ إنّ أبا بكر استرجع عمر وقد كان في أصحابه ، ولو كان ذلك بوحي لم يكن لاُسامة أن يقيم ويقول ما قال ، ولا كان لأبي بكر استرجاع عمر (١) ، انتهى .
فانظر إلى ما صدر من هذا الرجل عند اضطرابه تعصّباً من الهفوات التي تضحك منها الثكلى ؛ حيث ادّعى أوّلاً استعمال الرأي والحكم بغير أمر اللّه على الرسول الذي شهد اللّه عزوجل له في محكمات كتابه مراراً وكراراً بأنّه لا ينطق عن الهوى ، ولا يتكلّم إلاّ بما يوحى إليه (٢) ، ولا يتّبع ظنّاً ، ولا يقول بخلاف الهدى ، ونحو ذلك ممّا مرّ ويأتي من دلائل تنزيهه عن تلك الحال التي تبيّن عياناً كونها مطلقاً علامة أهل الباطل وأصل الوقوع في الضلال ، ثمّ أفتى بجواز مخالفته بمحض هذا الافتراء ، وهو خلاف صريح نصوص محكمات الكتاب وثابتات السنّة ، كما مرّ مجملاً ويأتي مفصّلاً مع كفاية ما مرّ من قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) (٣) ، وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٤) ، وقوله : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٥) ،
__________________
(١) حكاه عنه ابن طاووس في الطرائف ٢ : ١٥٨ .
(٢) كلمة «إليه» لم ترد في «ش» .
(٣) سورة الحشر ٥٩ : ٧ .
(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦ .
(٥) سورة النساء ٤ : ٥٩ .