ممّن طمع فيها من الأنصار سعد بن عبادة رئيس الخزرج ، فدار الكلام بل المخاصمة بينهم ، وشرع كلٌّ يجرّ إلى جانبه حتّى انجرّ إلى العمل بما رآه عمر وأبو عبيدة من استخلاف أبي بكر ، فبايعه عامّة من حضر هناك بإعانة بعض من حسد سعداً من بني عمّه وأعيان الأوس .
وقد كانت تلك البيعة حينئذٍ بدون حضور كثير من الصحابة ، لا سيّما المهاجرين ، بل ولا واحد من بني هاشم ، بل ولا باطّلاع (١) منهم ؛ حيث لم يتوجّه بل لم يتفطّن أحد من القوم لعجلتهم وللالتهاء (في القيل والقال) (٢) وغير ذلك إلى تكليف تأخير ذلك حتّى يفرغوا من تجهيز نبيّهم ، ويحضر سائر أعيان الصحابة وبنو هاشم وغيرهم جميعاً ، فقام حينئذٍ أبو بكر وعمر ومن معهما من اُولئك القوم بعد البيعة ، فدخلوا المسجد وهم (٣) في أخذ البيعة من كلّ من يلاقونه طوعاً أو كرهاً .
وهكذا كان عملهم إلى أن مضت أيّام ودبّروا تدبيرات حتّى استقرّ الأمر عليهم بإطاعة عامّة الناس ، من غير مشاورة اختيارية مع بقيّة أهل الشور من الصحابة والعترة ، بل بقوّة جبريّة مبنيّة على بيعة ذلك الحين ؛ ولهذا قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة (٤) ، على ما سيأتي تفصيل جميع ذلك في محلّه .
__________________
(١) في «م» و«ن»: «اطّلاع» .
(٢) ما بين القوسين في «ن» و«س» «ش» : «بالقال والمقال» .
(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ : «وهمّوا» أنسب ، فتأمّل .
(٤) المصنّف لعبدالرزّاق ٥ : ٤٤١ / ٩٧٥٨ ، المعيار والموازنة : ٣٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٨ ، الفائق في غريب الحديث ٣ : ١٣٩ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٤ ، الاكتفاء ٢ : ٤٣٨ ، صحيح ابن حبّان ٢ : ١٥٨ / ٤١٤ .