وجود أصل الاختلاف بينهم بحيث لا يحتاج إلى البيان ، ولقد كانت أكثر أخبار الفصل الرابع مشتملة على كثرة الفِرَق المختلفة منها ، بحيث تصـل إلى ثلاث وسبعين ، وأنّ الحقّ في واحدة منها ، مع بعض علائم تلك الواحدة .
وقد تبيّن لا سيّما في الفصلين الثاني والثالث ويتّضح هاهنا أيضاً أنّ معظم منشأ هذا الاختلاف متابعة الرأي والهوى ، الذي بيّنّا سابقاً أنّه مضلٌّ ممنوع في الدين ، وأنّ الحقّ البيّن إنّما يكون واحداً وارداً من اللّه ربّ العالمين ، فعلى هذا لا يبقى شكّ في أنّ الفرقة الناجية هم الذين يكون مناط تديّنهم من جميع الوجوه مقصوراً على الكتاب والسنّة ، اللّذين لا شكّ في أنّ الوارد من اللّه إنّما يكون فيهما ، دون غير ذلك ممّا ليس بهذه المثابة ، كما يدلّ عليه حديث الثقلين وغيره أيضاً .
وأيضاً : من البيّن أنّ الفرقة الناجية ينبغي أن تكون متفرّدة عمّا سواها من سائر الفِرَق بأجمعها في معظم اُصول الدين وعمدة مناطه ، حتّى يستقيم وجه تخصيص النجاة بالواحدة ، فلا بُدّ أن يكون ذلك الأمر الذي به امتيازها عن غيرها أمراً لا يتطرّق إليه البطلان والضلال أصلاً ، ولا يكون (١) مبنى فرقة من سائر الفِرَق عليه أيضاً .
ولا يخفى أنّ توضيح هذا يحتاج إلى بيان جمّة من مذاهب هذه الاُمّة ، وقاعدة مضبوطة ؛ حتّى تتشخّص التي هي المتفرّدة بما ذكرناه من بينها ، فنحن نذكر هاهنا من جميع فِرَق هذه الاُمَّة ما به الكفاية في تبيّنها وتشخيص التي هي الناجية منها ، مع بيان نبذ ممّا يتعلّق بذلك ممّا ينفع
__________________
(١) في «ش» : «يقوم» بدل «يكون» .