لَا يَعْلَمُونَ ) (١) وما بمعناها من الآيات والروايات ، فأمثال هؤلاء كيف يتصوّر أن لا تكثر عليهم أحكام لا يعرفونها من الكتاب والسنّة ؟ غير أنّ التقصير ليس إلاّ منهم كما تبيّن (٢) ، فحجة اللّه تامّة عليهم ، وليسوا بمعذورين في الاجتهاد ؛ لتحصيلها من غير السبيل الذي أمر اللّه به ، كما ينادي به ما مرّ من قوله تعالى : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) (٣) .
وقد قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فيما رواه عنه المخالف والمؤالف ـ كما سيأتي أيضاً ـ : «إنّ اللّه تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه إليه ، ولكنّه يقبض العلماء ، فاتّخذ الناس رؤساء جُهّالاً فاتّبعوهم ، فضلّوا وأضلّوا» (٤) .
كيف لا ! وقد نسب اللّه عزوجل في صريح القرآن إلى الكفر والضلال والطغيان جماعةً من الاُمم التي سلكت هذا المسلك في سالف الزمان ، كما مرّ بعض أحوالهم في الفصل الأخير من فصول الباب السابق ، حتّى أنّ من تأمّل في الفصل المذكور عرف أنّ من شواهد بطلان هؤلاء موافقتهم لاُولئك المبطلين من الاُمم في كثير من العقائد بسبب الاشتراك في المسالك ، بل من أعظم الشواهد وأوضح الفضائح عليهم كون مبنى اجتهادهم هذا على (الاعتماد على) (٥) الظنّ والتخمين ، واتّخاذ الرأي
__________________
(١) سورة الزمر ٣٩ : ٩ .
(٢) في «م» زيادة : فهمه .
(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٥٣ .
(٤) الأمالي للمفيد : ٢٠ / ١ ، المسند للحُميدي ١ : ٢٦٤ / ٥٨١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٦ / ٦٤٧٥ ، صحيح البخاري ١ : ٣٦ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٠٥٨ / ٢٦٧٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٣١ / ٢٦٥٢ ، وفيها هكذا : حتى إذا لم يترك عالماً اتّخذ . . . .
(٥) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .