القدس الذي كان به مسدّداً موفّقاً معلّماً ، بحيث لم يكن يختار من الاُمور شيئاً إلاّ ما يوافق الحقّ والصواب ، بل جعل قلبه بدوام الإلهام ـ الذي لا زلل فيه ولا خلل ـ وعاءً لمشيئته ، بحيث لم يكن يخطر بباله ما يخالف مشيئته تعالى بسبب من الأسباب ، كما قال سبحانه : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُُ ) (١) ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ونحو ذلك ، فوّض إليه تفويضاً في بعض الأشياء ، فقال : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) .
فمن ذلك : تفويض تعيين بعض اُمور الخير إليه ولو بمحض الإلهام من غير حاجة إلى انتظار الوحي الصريح إظهاراً لشرفه وكرامته عنده ، وسلامته عن احتمال الخطأ والزلل ، وليعلم من يطع الرسول ممّن يعصيه ، كإضافة الركعتين الأخيرتين في الصلاة ، وتعيين النوافل فيها ، وصوم شعبان وبعض الأيّام المخصوصة ندباً ، وتحريم كلّ مسكر غير الخمر المحرّم بالوحي الصريح ، وطعمة الجدّ (٤) ، وغيرها ممّا هو مذكور في محلّه (٥) .
ولا يتوهّم منافاة هذا لقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٦) ؛ لوضوح أنّ ما ذكرناه ليس من الهوى ، بل هو من
__________________
(١) سورة الإنسان ٧٦ : ٣٠ .
(٢) سورة القلم ٦٨ : ٤ .
(٣) سورة الحشر ٥٩ : ٧ .
(٤) طعمة الجدّ: هي المقدار الذي سنّه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله للجدّ بعد أن لم يفرض له، قيل: هي السدس .
انظر: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ٣٩ : ١٣٩ .
(٥) انظر : الكافي ١ : ٢٠٧ (باب التفويض إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وإلى الأئمّة عليهمالسلام في أمر الدين) .
(٦) سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤ .