الإلهام الذي هو شعبة من الوحي كما بيّنّا ، ولم نقل : إنّه كان له أن يحرّم ما شاء ، ويحلّل ما شاء من غير وحي ولا إلهام ، أو بغير ما اُوحي إليه برأيه حاشاه عن ذلك ، فافهم .
ومن ذلك : تفويض اُمور الخلق إليه من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم ، وأمر الخلق بإطاعته فيما أحبّوا وكرهوا ، وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا .
ومن ذلك أيضاً : تفويض بيان العلوم والأحكام وأنواع المعارف والتفسير والتأويل وأمثال ذلك ، بحسب اقتضاء صلاح الوقت ، وعلى نحو ما أراه اللّه المصلحة فيه ولو بالإلهام بسبب اختلاف عقول الناس ومراتب تحمّلهم وقبولهم ، ولما كان مأموراً به من التقيّة والمداراة ـ التي بيّنّاها سابقاً ، وفيما يأتي من المقالة التاسعة من المقصد الثاني ـ حتّى أنّه كان له أيضاً أن يسكت عن الجواب أحياناً ، أو يورّي في الكلام توريةً ، قال اللّه عزوجل : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) (١) ، أي : بما ألهمك اللّه وفهّمك ورخّصك به ، دون ما بالرأي والهوى ، كما في صريح الحديث عن أهل البيت عليهمالسلام ، ولهذا كان له الاختيار أيضاً أن يحكم أحياناً بما يلهمه اللّه تعالى ويعلّمه من الواقع ومُخّ الحقّ كما كان له أن يحكم بظاهر الشريعة .
ثمّ من ذلك أيضاً : التفويض في العطاء ، فإنّه كان له أن يعطي من شاء ما شاء ، ويمنع من شاء عمّا شاء ، وإن كان هذا أيضاً بحسب المصالح الإلهاميّة ، مع أنّ الحقّ الذي بيّن في موضعه أنّ الأرض وما فيها كلّها لمن
__________________
(١) سورة النساء ٤ : ١٠٥ .