تعالى أن تحمّل نبيّنا صلىاللهعليهوآله وأوصيائه عليهمالسلام ، وسعة خلقهم وصبرهم أزيد من سائر الأنبياء ، بحيث لم يرتضوا أبداً باستئصال قومهم ؛ لكي يهتدوا عقـب ذلك هم أو ذرّيّتهم ولو بعد حين ؛ ولهذا لم يبعثه اللّه بالتصريح الذي يستوجب مخالفته عذاب الاستئصال ، كما كان في زمن سائر الأنبياء ، حتّى أنّه كان كذلك حكاية الخلافة ؛ ولهـذا لم يقـل كـذا ، بـل قال كذا وكذا .
فتأملّ جدّاً حتّى لا تتوهّم تنافي هذا لما هو ثابت عند الإماميّة من كون إمامة عليّ عليهالسلام بالنصّ الجليّ ؛ إذ من البيّن أنّه لا يلزم من نفي هذا النوع الخاصّ من التصريح نفي مطلق التصريح ؛ لجواز تحقّقه في ضمن نوع مشتمل على التأكيد والتهديد تعريضاً .
وبالجملة : المنفي هو قوله ، هذا فلان معيّن للخلافة وإنّما هو إمامكم بعدي فلا تقلّدوها غيره وإلاّ فتكفرون وتعذّبون ، والثابت هو قوله : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » (٣) ونحو ذلك من النصوص التي تظهر صراحتها في المطلوب بأدنى عناية بحسب ملاحظة القرائن ، واقتضاء المقام ، وغير ذلك .
فافهم حتّى تعلم أنّ ما ذكرناه سابقاً من حكمة الامتحان أيضاً تقتضي البيان بهذه الكيفيّة دون ما مرّ من ذلك النوع من التصريح ، ومعلوم أنّ اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله لم يفعلا إلاّ ما فيه الحِكَم العديدة .
والظاهر أنّ ما ذكرناه في هذا المقام كافٍ لبيان هذا المرام ، ومن أراد
__________________
(١) تفسير فرات الكوفي ١٣٠ / ١٥١ ، الكافي ١ : ٢٣٤ / ٣ (باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام ) ، الاختصاص : ٧٩ ، الأمالي للمفيد : ٥٥ / ٢ ذيل الحديث ، معاني الأخبار : ٦٧ ، علل الشرائع : ١٤٣ / ٩ ، سعد السعود : ١٤٣ ، المسند لأحمد ابن حنبل ١ : ١٨٩ / ٩٥٣ ، و٥ : ٥٠١ / ١٨٨٣٨ ، تاريخ بغداد ٧ : ٣٧٧ / ٣٩٠٦ .