الفساد مختلفين في مذاهبهم ، يلعن بعضهم بعضاً ، فأيّ موضع للرحمة العامّة لهم ، المشتملة عليهم ؟ (١) .
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ اللّه تبارك اسمه إنّما عنى بذلك أنّه جعله سبيلاً لإنظار أهل هذه الدار ؛ لأنّ الأنبياء قبله بُعثوا بالتصريح لا بالتعريض ، فكان النبيّ صلىاللهعليهوآله منهم ، إذا صدع بأمر اللّه وأجابه قومه سلِموا ، وإن خالفوه هلكوا بالآفة التي كان نبيّهم يتوعّدهم بها من خسف ، أو قذف، أو رجف ، أو غير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الاُمم الخالية .
وإنّ اللّه علِم من نبيّنا ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق مَنْ تقدّمهم من الأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه اللّه بالتعريض لا بالتصريح ، وأثبت حجّة اللّه تعريضاً لا تصريحاً بقوله في وصيّته : من كنت مولاه فهذا مولاه» و هو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ؛ إذ ليس من خليقة النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا من شيمته أن يقول قولاً لا معنى له ، فلزم الاُمّة أن تعلم أنّه لمّا كانت النبوّة والأُخوّة موجودتين في خلقة هارون ، ومعدومتين فيمن جعله النبيّ صلىاللهعليهوآله بمنزلته ، أنّه قد استخلفه بمنزلته على اُمّته كما استخلف موسى هارون عليهماالسلام ، حيث قال له : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (٢) ولو قال لهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : لا تقلّدوا الإمامة إلاّ فلاناً بعينه وإلاّ نزل بكم العذاب ، لأتاهم العذاب وزال باب الإنظار والإمهال » (٣) ، الخبر .
وحاصله : أنّ المراد بالرحمة في الآية إنّما هو الحفظ عن عذاب الاستئصال في الدنيا الذي كان في اُمم سائر الأنبياء ، حيث كان في علم اللّه
__________________
(١) الاحتجاج ١ : ٦٠٢ ـ ٦٠٣ .
(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٤٢ .
(٣) الاحتجاج ١ : ٥٧٧ .