«أوّل من قاس إبليس» (١) وظاهر أنّ مثل ذلك خطأ وضلال .
أمّا أوّلاً : فلما مرّ من عدم مدخلية للعبد في تفتيش حكمة أمر ربّه ، فضلاً عن المجادلة فيما أمر به ، بل على اللّه الأمر وعليه الإطاعة أيّ شيء كان ، لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون .
وأمّا ثانياً: فلأنّ إدخال العبد رأيه في أمر ربّه بمنزلة ادّعاء مشاركة نفسه في إرادات ربّه ، وفي حكم دعوى وصول فهمه إلى مراتب علم ربّه ، وذلك مع كونه كفراً في نفسه ـ كما هو ظاهر ـ مورث للغلوّ والتشبيه ، كما سيظهر .
وأمّا ثالثاً : فلكثرة وقوع الخطأ في الرأي ؛ لظهور قصور فهم العباد عن إدراك حكمة الأشياء وأسباب الأوامر والنواهي ، وهيهات أن يصل عقل أحد إلى قطرة من بحار علم اللّه وحكمته .
قال أبو عبد اللّه الصادق عليهالسلام : «يابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يُشبعه ، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطّاه ، تريد أن تعرف بها ملكوت السماوات والأرض ! » (٢) الخبر ، ولا ريب في كون الأمر على ما ذكره عليهالسلام ، حتّى أنّ مبنى قياس الشيطان أيضاً كان على خطأ .
كما روي عن الصادق عليهالسلام أيضاً أنّه قال : «إنّ إبليس قاس نفسه بآدم ، فقال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٣) ، فلو قاس الجوهر الذي خلق اللّه منه آدم عليهالسلام بالنار كان ذلك أكثر نوراً وضياءً من النار» (٤) .
وفي رواية اُخرى : أنّ أبا حنيفة دخل على الصادق عليهالسلام ، فقال ( عليهالسلام ) (٥) : «بلغني أنّك تقيس ؟» فقال : نعم ، قال : «لا تقس ، فإنّ أوّل
__________________
(١) تقدّم في ص ٧٦ و٧٨ .
(٢) الكافي ١ : ٧٣ / ٨ (باب النهي عن الكلام في الكيفِيّة) ، التوحيد للصدوق : ٤٥٥ / ٥ .
(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٢ .
(٤) المحاسن ١ : ٣٣٤ / ٦٧٩ ، بحار الأنوار ١١ : ١٤٧ / ١٧ .
(٥) بدل ما بين القوسين في «م» : «قال له : إنّه» .