وكيف كان فقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا أن المراد من الآية التخيير في النفر بين اليومين لمن التقى الصيد والنساء ولم يكن قد غربت عليه الشمس وهو فيها كما عرفت ، أما غير المتقي فلا ينفر إلا في النفر الثاني ، نعم ربما أشكل بأن نفي الإثم عن الثاني يعطي كونه مظنة له ، مع أنه أفضل باعتبار اشتماله على الإتيان بمناسك اليوم الثالث ، فلا يتوهم تقصيره كي يحتاج الى نفيه عنه كالنفر الأول ، ويدفع باستعمال نحو ذلك فيما لا يراد منه هذا المعنى نحو رفع الحرج والجناح في التقصير والطواف مع إرادة العزيمة منهما ، وبأن المراد الرد على أهل الجاهلية القائل بعضهم بالإثم على المعجل وبعضهم بالإثم على المؤخر ، وبأن المراد عدم الإثم عن المؤخر لمن زاد على مقام ثلاثة على معنى أن القيام بمنى ينبغي أن يكون ثلاثة ، فمن نقص فلا إثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة لا إثم عليه ، وبأن ذلك رعاية للمقابلة نحو قوله تعالى (١) ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) وبأن المراد عن ذلك دفع ما يتوهم من المفهوم الأول المقتضي ثبوت الإثم على غير المعجل ، كما يومي اليه صحيح أبي أيوب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إنا نريد أن نعجل السير وكانت ليلة النفر حين سألته فأي ساعة ننفر؟ فقال : أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت ليلة النفر ، وأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله تعالى ، فان الله جل ثناؤه يقول ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، ولو سكت لم يبق أحد إلا تعجيل ، ولكنه قال ( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) » وبغير ذلك مما لا فائدة مهمة تترتب عليه ، والله العالم.
والنفر الثاني هو اليوم الثالث عشر بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال فمن نفر في اليوم الأول لم يجز إلا بعد الزوال إلا لضرورة أو حاجة
__________________
(١) سورة الشورى الآية ٣٨.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.