وخطاب الوضع (١) ، أعني الخطاب بنصب الأسباب ، ولا يشترط فيه العلم ، ولا القدرة ، ولا عدمهما ، ولا التكليف ، لأن معناه قول الشارع : اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا ، أو حرم كذا ، أو أبيح كذا ، أو ندب كذا (٢). ومن ثمَّ حكم بضمان الصبي والمجنون ما أتلفاه ، مع عدم تكليفهما. وقد يكون خطاب الوضع بالمانع أيضا ، كما يقول : عدم كذا ، عند وجود المانع ، أو عند عدم الشرط.
إذا تقرر ذلك : فالطهارة من باب خطاب الوضع ، إذ هي شرط في صحة الصلاة ، وكذلك الاستقبال ، والستر. وذلك لا يشترط فيه شروط التكليف ، من إيقاعه على الوجه المخصوص ، فان دخل الوقت على المكلف وهو موصوف بهذه الأوصاف ، تمَّ الغرض ، وصحت الصلاة ، وإن لم يتصف بها أو ببعضها ، توجه إليه (٣) حينئذ خطاب التكليف وخطاب الوضع ، وصارت حينئذ واجبة. ولا استبعاد في وجوب الطهارة في حالة دون حالة ، لأن شأن الشرع تخصيص الوجوب ببعض الحالات دون البعض ، وببعض الأزمنة دون البعض (٤).
فان قلت : أليس ينوي في الطهارة قبل دخول الوقت الاستحباب ، وذلك خطاب التكليف فكيف جعلتها من خطاب الوضع؟! قلت : ذلك وإن احتيج إليه في الطهارة فهو غير محتاج إليه في الاستقبال والستر ، ولهذا لو اتفق كونه قائما إلى القبلة ، وقد ليس
__________________
(١) لم يرد منه سابقا هذا التقسيم ، وإنما ورد فيما مضى ما يدل عليه. راجع : ١ ـ ٣٩ ، ٧٠.
(٢) زيادة من (ك).
(٣) في (أ) و (م) : عليه.
(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ١٦٨ ـ ١٦٩.