ساتر العورة حياء من الناس ، أو ألبسه غيره كرها ، أجزأ ذلك في الصلاة. وأما وقوع الطهارة بنية الاستحباب ، فهو باعتبار أنها في نفسها مستحبة ؛ لاستحباب الدوام على الطهارة. ولا امتناع في كون الشيء من خطاب الوضع باعتبار ، ومن خطاب التكليف باعتبار ، فإذا وجد سبب الوجوب ، كدخول الوقت ـ مثلا ـ على متطهر ندبا ، فقد خوطب بالصلاة حينئذ من غير أمر بتجديد طهارة ؛ لامتناع تحصيل الحاصل. وإن كان محدثا ، اجتمع عليه خطاب التكليف ، بفعل الطهارة وجوبا ، وخطاب الوضع ، ومن قبله كان عليه خطاب التكليف باستحباب الطهارة ، فلا امتناع في ذلك.
وهذا الإشكال اليسير (١) هو الّذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء وغيره من الطهارات لنفسه ، غير أنه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت ، وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت.
ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر بن العنبري (٢) ، والجمهور (٣)
__________________
(١) عبّر القرافي عن هذا الإشكال بقوله : (هو من المشكلات التي يقل تحريرها والجواب عنها من الفضلاء). الفروق : ١ ـ ١٦٩.
(٢) في (أ) و (م) : أبو بكر العنبري. ولم أعثر على مصدر ينسب هذا القول لهذا القائل على كلا النسختين وهناك شخص ذكره بعض أصحاب التراجم باسم (أبو بكر محمد بن عمر العنبري) إلا انه أديب شاعر توفي سنة ٤١٢ ه ، ومن آثاره ديوان شعر. (كحالة ـ معجم المؤلفين : ١١ ـ ٨٨). ولعل المقصود : القاضي أبو بكر بن العربي المتوفى سنة ٥٤٣ ه ، فقد نقل القرافي عنه هذا الرّأي في ـ الفروق : ١ ـ ١٦٦ ، وجاء التصحيف من النساخ.
(٣) لم أعثر على ما يصحح هذه النسبة ، بل يبدو من القرافي خلافها. انظر : الفروق : ١ ـ ١٦٦ ـ ١٦٩.