وسقط في المعركة صريعا علم من أصحاب الامام وفذ لامع من انصاره مسلم بن عوسجة ، ومشى لمصرعه الامام ، وكان مسلم يعالج سكرات الموت فدنا منه وقال له :
«رحمك اللّه يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ..».
واقترب منه زميله وأخوه في الجهاد حبيب بن مظاهر ، فقال له :
«عزّ علي مصرعك ، يا مسلم ابشر بالجنة»
فقال مسلم بصوت خافت :
«بشرك اللّه بخير»
وانبرى حبيب فقال له :
«لو لا اني اعلم أني في أثرك لا حببت أن توصي إلي بما أهمك»
وعهد إليه مسلم بأعز واخلص ما عنده قائلا :
«أوصيك بهذا ـ وأشار الى الامام ـ ان تموت دونه»
وكانت هذه الكلمات آخر ما تلفظ به (١) لقد كانت هذه هي العظمة حقا بما تحمل من معاني السمو والشرف لدى أصحاب الامام ، لقد كان كل واحد منهم يمثل شرف الانسانية في جميع عصورها ومواطنها.
انه الوفاء الذي ينبض بالايمان الذي لا حد له ، فلم يفكر في تلك اللحظة من حياته بأهله ، أو بأي شأن من شئون الدنيا ، وانما استوعب فكره الحسين فقد اخلص في حبه حتى النفس الأخير من حياته.
__________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ١٨٢