ولم يبعد الامام كثيرا عن مكة حتى اجتازت عليه وهو في «التنعيم» (١) قافلة من العير تحمل ورسا (٢) وحللا كثيرة أرسلها والي اليمن. بجير بن يسار إلى الطاغية يزيد فأمر الامام بمصادرتها ، وقال لأصحاب الابل من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه واحسنا صحبته ، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض ، ففارقه بعضهم بعد أن استوفى كراءه ، ومضى في صحبته من أحب منهم (٣) وقد انقذ الامام هذه الأموال من أن تنفق على موائد الخمور ، وتدعيم الظلم ، والإساءة إلى الناس ، وقد تقدم أن الامام قام بنفس هذه العملية أيام معاوية ، وقد ذهب آية اللّه المغفور له السيد مهدي آل بحر العلوم إلى عدم صحة ذلك ، فان مقام الامام أسمى وأرفع من الاقدام على مثل هذه الأمور (٤) والذي نراه أنه لا مانع من ذلك اطلاقا فان الامام كان يرى الحكم القائم في أيام معاوية ويزيد غير شرعي ، ويرى أن أموال المسلمين تنفق على فساد الأخلاق ونشر العبث والمجون فكان من الضروري انقاذها لتنفق على الفقراء والمحتاجين وأي مانع شرعي أو اجتماعي من ذلك؟
__________________
(١) التنعيم : موضع بمكة في الحل يقع بين مكة وسرف على فرسخين من مكة ، وقيل اربعة ، سمي بذلك لأن جبلا عن يمينه يقال له نعيم ، وآخر عن شماله يقال له ناعم ، جاء ذلك في معجم البلدان ٢ / ٤٩.
(٢) الورس : نوع من الثياب الحمر
(٣) تأريخ الطبري ٦ / ٢١٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١٦٦
(٤) رجال بحر العلوم ٤ / ٤٨