ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.
وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.
لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :
«حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»
لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.
ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :
«اللهم تقبل هذا القربان» (١)
ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.
لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٩)