نفرسهم ، فاذا دهمتهم عاصفة من البلاء تنكروا له وابتعدوا منه ... نعم ان الدين بجوهره انما هو عند الامام الحسين وعند الصفوة من أهل بيته واصحابه فقد امتزج بمشاعرهم ، وتفاعل مع عواطفهم فانبروا الى ساحات الموت ليرفعوا شأنه ، وقد اعطوا بتضحيتهم دروسا لاجيال الدنيا في الولاء الباهر للدين.
وبعد حمد اللّه والثناء عليه خاطب اصحابه قائلا :
«اما بعد : فقد نزل بنا ما قد ترون. وان الدنيا قد تغيرت ، وتنكرت وادبر معروفها ، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل (١). الا ترون الى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه فاني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» (٢).
لقد أدلى بهذا الخطاب عما نزل به من المحن والبلوى ، واعلمهم ان الظروف مهما تلبدت بالمشاكل والخطوب فانه لا ينثني عن عزمه الجبار لاقامة الحق الذي خلص له .. وقد وجه (ع) هذا الخطاب لاصحابه لا ليستدر عواطفهم ، ولا ليستجلب نصرهم ، فما ذا يغنون عنه بعد ما احاطت به القوى المكثفة التي ملئت البيداء ، وانما قال ذلك ليشاركونه المسئولية في اقامة الحق الذي آمن به واختاره قاعدة صلبة لنهضته الخالدة وقد
__________________
(١) المرعى الوبيل : هو الطعام الوخيم الذي يخاف وباله أي سوء عاقبته.
(٢) معجم الطبراني من مصورات مكتبة امير المؤمنين ، تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤ من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٥ ، حلية الأولياء ٢ / ٣٩.