فعقره وشب به الفرس فوثب عنه كأنه الليث ، ولم يصب بضرر وجعل يقاتل ببسالة وهو راجل حتى قتل فيما يقول بعض المؤرخين نيفا واربعين رجلا (١) وحملت عليه الرجالة بسيوفها ورماحها فاردته إلى الأرض صريعا يتخبط بدمه الزاكي ، وبادر اصحاب الامام فحملوه ووضعوه أمام الفسطاط الذي كانوا يقاتل دونه ، ووقف عليه الامام فجعل يتأمل وجهه الوديع بنظرات ملؤها نور اللّه ، ووقف اصحابه في خشوع وانبرى الامام فجعل يمسح الدم من وجهه وهو يؤبنه بهذه الكلمات.
«أنت الحر كما سمتك أمك ، وأنت الحر في الدنيا والآخرة»
لقد كان الحر حرا حينما تغلب عقله على هواه واختار الشهادة على الحياة فنصر سيد شباب أهل الجنة ، ومات ميتة كريمة في سبيل الحق ، وانبرى بعض أصحاب الامام فرثاه بخشوع :
لنعم الحر حر بني رياح |
|
صبور عند مشتبك الرماح |
ونعم الحر اذ فادى حسينا |
|
وجاد بنفسه عند الصباح (٢) |
وبالرغم مما كان الامام يعانيه من الخطوب الفادحة التي تتصدع من هولها الجبال فان فكره كان مشغولا بأداء فريضة الصلاة التي هي من أهم العبادات في الاسلام ، وطلب من أعدائه أن يمهلوه ليصلي لربه ، فاستجابوا له ، واقبل على اللّه بقلب منيب فصلى بمن بقي من اصحابه
__________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ١٨٣
(٢) المناقب ٤ / ٢١٧