امرأة (١) ما عدا الصبية وقد سيروهن على اقتاب الجمال بغير وطاء وساقوهن كما يساق سبي الترك والديلم ، ومروا بهن على جثث القتلى من أهل البيت مبالغة في ايذائهن ، وكان العرب في جاهليتهم الأولى يتجنبون مرور النساء على قتلاهن الا ان جيش ابن سعد لم يلتزم بأي خلق ، ولم تكن عنده أية عاطفة انسانية.
ولما نظرت عقائل النبوة الى جثث القتلى من اهل البيت رفعن اصواتهن بالبكاء ، وصاحت حفيدة النبي (ص) زينب (ع) بصوت يذيب القلوب.
«يا محمداه هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة» (٢).
ووجم القوم مبهوتين ، وفاضت عيونهم دموعا ، وبكى العدو والصديق (٣).
وجزع الامام زين العابدين كأشد ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه ، وجثث أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء لم ينبر أحد الى مواراتها وبصرت به عمته زينب فبادرت إليه مسلية قائلة :
«ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي واخوتي ، فو اللّه إن هذا لعهد من اللّه الى جدك وأبيك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، انهم يجمعون
__________________
(١) مقتل المقرم (ص ٣٧٧)
(٢) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٩٣
(٣) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص ١٤٠)