ولم يطل مكث اهل البيت في دمشق ، فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة ، واضطراب الرأي العام ، ووقوع ما لا تحمد عقباه ، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الامام زين العابدين انقلابا فكريا في جميع الأوساط ، فقد انارت تلك الخطب المشرقة العقول ، وأثارت العواطف واصبحت حديث الأندية والمجالس فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة وهي تنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد ، فقد عرفت اهل الشام لؤم يزيد ، وخبث عنصره ، وقلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه وسقط اجتماعيا ، وذهبت مكانته من النفوس.
ودعا الطاغية الامام زين العابدين (ع) فأبدى له معاذيره ، والقى المسئولية في هذه الجريمة على ابن مرجانة قائلا :
«لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا اعطيته اياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك (١) وانه سيكون في قومك أمور فلا تدخل معهم في شيء» (٢).
واعرض عنه الامام فلم يجبه بشيء ، فقد عرف واقع اعتذاره ، وانه كان تهربا مما لحقه من العار والخزي.
__________________
(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠
(٢) تذهيب التهذيب ١ / ١٥٧