وجعل يتوكأ على عصا لشدة مرضه ، فبصر به الحسين فصاح بأخته السيدة أم كلثوم! احبسيه لئلا تخلو الارض من نسل آل محمد ، وبادرت إليه فارجعته إلى فراشه (١).
أي صبر كان صبر أبي عبد اللّه؟!! كيف استطاع أن يتحمل هذه الكوارث .. انه صبر تعجز عنه الكائنات ، وتميد من هوله الجبال ، وكان من افجع وأقسى ما نكب به رزيته بولده عبد اللّه الرضيع فقد كان كالبدر في بهائه ، فأخذه وجعل يوسعه تقبيلا ويودعه الوداع الأخير ، وقد رآه مغمى عليه ، وقد غارت عيناه وذبلت شفتاه من شدة الظمأ فحمله إلى القوم ليستدر عواطفهم لعلهم يسقوه جرعة من الماء ، وعرضه عليهم وهو يظلل له بردائه من حرارة الشمس ، وطلب منهم أن يسعفوه بقليل من الماء ، فلم ترق قلوب اولئك الممسوخين ، وانبرى الباغي اللئيم حرملة ابن كاهل فسدد له سهما ، وجعل يضحك ضحكة الدناة وهو يقول مفتخرا أمام اللئام من أصحابه :
«خذ هذا فاسقه»
واخترق السهم ـ باللّه ـ رقبة الطفل ، ولما أحس بحرارة السهم أخرج يديه من القماط ، وجعل يرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح ، وانحنى الطفل رافعا رأسه الى السماء فمات على ذراع أبيه ... إنه منظر تتصدع من هوله القلوب ، وتلجم الالسن .. ورفع الامام يديه وكانتا مملوءتين من ذلك الدم الطاهر فرمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة
__________________
(١) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ٢٢٢