واعلن علي بن الحسين في رجزه عن روعة بأسه وشدة إبائه ، وانه يؤثر الموت على الخنوع للدعي ابن الدعي .. والتحم مع اعداء اللّه وقد ملأ قلوبهم رعبا وفزعا وابدى من البسالة ما يقصر عنه الوصف ، فقد ذكّرهم ببطولات جده امير المؤمنين ، وقد قتل فيما يقول بعض المؤرخين مائة وعشرين فارسا (١) سوى المجروحين وألح عليه العطش فقفل راجعا الى أبيه يشكو إليه ظمأه القاتل ويودعه الوداع الأخير ، واستقبله أبوه بحرارة فبادره علي قائلا :
«يا أبة العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل الى شربة ماء من سبيل اتقوى بها على الأعداء؟»
والتاع الامام كأشد ما تكون اللوعة ألما ومحنة ، فقال له بصوت خافت وعيناه تفيضان دموعا.
«وا غوثاه ما اسرع الملتقى بجدك ، فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا».
وأخذ لسانه فمصه ليريه ظمأه فكان كشقه مبرد من شدة العطش ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه (٢).
لقد كان هذا المنظر الرهيب من افجع ما رزىء به الامام الحسين لقد رأى فلذة كبده وهو في غضارة العمر وريعان الشباب ، وقد استوعبت الجراحات جسمه الشريف وقد اشرف على الهلاك من شدة العطش وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي ظمأه ، يقول الحجة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته :
يشكو لخير أب ظماه وما اشتكى |
|
ظمأ الحشا الا إلى الظامي الصدي |
__________________
(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠
(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠