.................................................................................................
______________________________________________________
وإن كان أمراً اختيارياً فهو يختلف باختلاف لسان الدليل ، فإن أُخذ شرطاً كقولنا : (إن سافرت فقصر) أو أُخذ على نحو تكون نتيجته نتيجة الاشتراط ، كما إذا أُخذ في القضية موضوعاً كقولنا : (المسافر يجب عليه القصر) فإنّ نتيجة كون المسافر موضوعاً هو فرضه مفروغ الوجود ، بمعنى أنّه على تقدير وجوده يجب القصر ، وهو يعني كون السفر شرطاً في وجوب القصر ، لما ذكرناه غير مرة من أنّ القضية الحقيقية تنحلّ إلى القضية الشرطية فهو موضوع لا محالة.
وأما إذا أُخذ قيداً في المتعلق كقولنا : (صلّ متطهراً) كان المتفاهم منه أنّ التكليف كما هو متعلق بالصلاة متعلق بقيدها أيضاً ، بحيث يكونان معاً معلولين للتكليف.
إذا اتضح ذلك كلّه يظهر أنّ الحلّية والحرمة الثابتتين للبيع أو النكاح أو التملك أو غيرها ، إنّما هما حكمان ثابتان قبل تحقق تلك الأُمور في الخارج. فحلّية البيع أو حرمته مثلاً حكم ثابت قبل تحققه في الخارج ، لا أنّ حليته أو حرمته متوقّفة على تحققه في الخارج ، فهو حلال سواء أوقع البيع في الخارج أم لم يقع ، وكذلك الحال في التملك والنكاح.
وأما ترتب الآثار الشرعية عليها ، فهي أحكام مترتبة على هذا الحكم أعني الحلّية أو الحرمة من دون أن يكون من الاستصحاب التعليقي. فإنّه إذا كان نكاحاً حلالاً ثم شككنا في زوال الحلّية ، كان مقتضى القاعدة استصحاب بقائها ، لأنّها كانت ثابتة قبل العقد والنكاح في الخارج ولم تكن مترتبة عليه ، فلا وجه لأن يقال إنّه من الاستصحاب التعليقي فإنّ خطأ ، والصحيح أنّه من الاستصحاب التنجيزي.
ومن هنا فلا بأس بأن يقال : إنّ هذا المبعض كان يحرم عليه أن يتزوج من الحرائر بأكثر من اثنتين ، فمقتضى الاستصحاب أنّه الآن كذلك أيضاً ، وبه تجري عليه أحكام العبد. إلّا أنّ هذا كلّه لا يقتضي التزامنا بجريان الاستصحاب في المقام ، وذلك لما تقدم منّا غير مرة من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية الكلّية ، حيث أنّ جريانه فيها معارض باستصحاب عدم الجعل من الأول فيسقط بالمعارضة ، بل الثاني حاكم على الأوّل ، على ما مرّ توضيحه في محلّه من المباحث الأُصولية.