.................................................................................................
______________________________________________________
تتبع سائر الأدلة ، وقد استدل على ذلك بأُمور.
الأوّل : قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ).
بدعوى أنّ الغضّ عبارة عن الترك ، فتكون الآية دالة على وجوب ترك النظر إلى الرجال.
وفيه : ما تقدّم من أنّ الغضّ ليس عبارة عن الترك ، وإنّما هو عبارة عن جعل الشيء مغفولاً عنه ، وعدم الطمع فيه بالمرة والانصراف عنه.
وعليه فلا تكون للآية دلالة على حرمة نظرهن إلى الرجال على ما تقدم بيانه تفصيلاً.
وممّا يؤيِّد ذلك أنّ الخطاب في الآية الكريمة عامّ لجميع المؤمنات ، لإفادة الجمع المحلّى بالألف واللّام ذلك ، فيشمل المبصرات منهن وغير المبصرات ، وحيث إنّ من الواضح أنّه لا معنى لتكليف غير المبصرات بترك النظر ، فيتعيّن حمل الغضّ على ما ذكرنا من الانصراف عن الرجال وعدم الطمع فيهم.
نعم ، قد يتوهّم كون الآية الكريمة ناظرة إلى النظر ، وذلك بملاحظة معتبرة سعد الإسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره ، فقال : والله لآتين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولأُخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : ما هذا؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (١) فإنّها وردت في فرض النظر إلى المرأة ، فتكون دالّة على أنّ المراد بالغضّ هو ترك النظر.
__________________
(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٠٤ ح ٤.