على المضيّ ، فمجرّد (١) التّغليب لا يصحّح استعمال إن ههنا (٢) ، بل لا بدّ من أن يقال : لمّا غلّب (٣) صار الجميع بمنزلة غير المرتابين ، فصار الشّرط (٤) قطعيّ الانتفاء ، فاستعمل فيه إن على سبيل الفرض والتّقدير (٥) ، للتّبكيت والإلزام (٦) ، كقوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(١) (٧) (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)(٢) (٨) [والتّغليب (٩)] باب واسع
______________________________________________________
(١) هذا هو البحث السّابق أعاده ليترتّب عليه الجواب ، وهو قوله : «بل لا بدّ من أن يقال ...»
(٢) أي في الآية.
(٣) أي لمّا غلّب غير المرتابين على المرتابين.
(٤) أي كون المخاطبين مرتابين في القرآن مقطوع بانتفائه.
(٥) بأن ينزّل الرّيب المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فيه ، كي يصحّ استعمال إن فيه ، ففيه تنزيلان كما لا يخفى.
(٦) أي استعمل لفظ إن لإسكات الخصم ، وإلزامه بما لا يقوله وإلجاؤه على الاعتراف.
(٧) ومعنى الآية فإن آمن الّذين هم على غير دينكم بدين مماثل لدينكم في الحقيقة فقد اهتدوا ، مع أنّ وجود دين غيره حقّا محال ، فإنّ الإيمان بمثل القرآن مع عدم وجوده محال ، فنزّل قطعيّ الانتفاء منزلة المشكوك فيه ، واستعمل فيه إن على سبيل الفرض والتّقدير ، أي وإن حصلوا دينا آخر مساويا لدينكم في الصّحّة والسّداد فقد اهتدوا.
(٨) وقد سبق الكلام في بيان ما هو المراد منهما ، فراجع.
(٩) وهو عبارة عن ترجيح أحد المعلومين على الآخر في إطلاق لفظ عليهما ، والقيد الأخير لإخراج المشاكلة ، وهو إمّا مجاز مرسل بعلاقة الجزئيّة ، أو المصاحبة ، أو من قبيل عموم المجاز ، ولا ينحصر فيما ذكر ، بل هو باب واسع.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٣٧.
(٢) سورة الزّخرف : ٨١.