(يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا) (١) كيف يجرأ هؤلاء على إلقاء تهمة الشرك على من يؤمن بما يصرّح به القرآن ، بل ويستبيحون دمه وماله؟!
لو كان هذا العمل شركا ، فلم لم ينه يعقوب بنيه عن ذلك.
ثانيا : لا يوجد أدنى شبه بين «عبدة الأصنام» و «الموحّدين المؤمنين بالشفاعة بإذن الله» ، لأن الوثنيين كانوا يعبدون الأصنام ويتخذونها شفعاء ، بينما المسلمون المؤمنون بالشفاعة لا تخطر في ذهنهم عبادة الشفعاء ، بل يستشفعون بهم إلى الله ، وطلب الشفاعة لا ارتباط له بمسألة العبادة كما سنبيّن.
عبدة الأصنام كانوا يتعجبون من عبادة الإله الواحد الأحد : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٢).
الوثنيون كانوا يجعلون الوثن في منزلة الله : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).
الوثنيون كانوا يعتقدون بتأثير الأوثان على حياتهم ومصيرهم ووجودهم ، كما تذكر كتب التاريخ ، والمسلمون المؤمنون بالشفاعة يعتقدون بانفراد الله في التأثير ، ولا يرون لموجود آخر غير الله استقلالا في التأثير.والمقارنة بين الرؤيتين مقارنة جاهلة مجافية للمنطق.
أما بشأن المسألة الثانية ، علينا أوّلا أن نفهم معنى «العبادة» لو فسّرنا العبادة بأنها كل لون من ألوان الخضوع والاحترام ، لكان ذلك يعني حرمة الاحترام والخضوع لأحد غير الله ، وهذا ما لا يقرّه مسلم. ولو فسّرنا العبادة أنها كل ألوان الطلب ، فهذا يعني أن التقدم بالطلب من أية جهة هو شرك ، وهذا يخالف ضروريات العقل والدين. كما أن العبادة لا يمكن فهمها على أنها كل لون من ألوان اتباع فرد لفرد آخر ، فاتباع الأفراد لمسؤوليهم ورؤسائهم في المؤسسات
__________________
(١) يوسف ، ٩٧.
(٢) ص ، ٥.
(٣) الشعراء ، ٩٧ و ٩٨.