وحاول لوط صدّهم بكل ما لديه من وسائل الصدّ ، وردعهم عن هؤلاء الضيوف بما يملك من إمكانات الردع ، حتى انتهى إلى العرض الأخير ، وهو أن يعرض بناته عليهم : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) ، ولعل من البديهيّ أنه لا يعرضهنّ عليهم للزنى ، لأنه لا يمكن أن يردع عن فحشاء بفحشاء ، بل الظاهر أن عرضه كان على أساس الزواج بقرينة قوله : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) لأن الطهارة لا تتم إلا بهذه الوسيلة ، (فَاتَّقُوا اللهَ) في ما تقدمون عليه من عصيان أمره بارتكاب الفاحشة ، والاعتداء على الناس ، (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) لأن اعتداءكم على ضيوفي يجلب لي الخزي والعار بين الناس ، لأنني لم أستطع حفظهم من العدوان عليهم بارتكاب الفاحشة معهم ، مما يفرض عليكم معرفة ظروفي والمحافظة على كرامتي وموقعي ، فإذا لم تعترفوا لي بموقع النبوّة ، فلا بد على الأقلّ أن تعترفوا بأني رجل منكم تتصل كرامتي بكرامتكم ، فما يصيبني من الخزي والعار سيصيبكم.
ولكن يبدو أن كل هذه الأساليب لم تنفع معهم ، فأطلق الصيحة اليائسة الأخيرة : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) عاقل ، يفكر بطريقة متّزنة ويدير الأمر على أساس العدل والحكمة؟! ولكن أحدا لم يستجب لعرضه الذي رفضوه بسرعة ، (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) لأننا لا نرى لنا فيهن حقا ، ونظرا لعدم رغبتنا بالنساء كما لغيرنا من الناس الذين يجدون فيهن موضوعا لإشباع حاجاتهم ، ويلتمسون الوسائل المشروعة للحصول عليه ، لأن ما يجعل من الشيء حقا لأحد لدى نفسه ، رغبته الذاتية فيه ، ورغبة المجتمع في تحقيق وصوله له ، وهذا ما لا يتيسر في مجتمع قوم لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) من قضاء شهواتنا في رجال أمثال ضيوفك ، ممن قد لا يتيسر لنا الحصول عليهم في كل وقت.
* * *