بِبَعِيدٍ) من الأمم القريبة من تاريخكم مما يجعلكم قادرين على معرفة الآثار التي تركوها ، والمدائن المخسوفة التي لا تزال ماثلة أمام أعينكم ، لأن الأعمال التي عذبهم الله بها هي أعمال التمرد على الله ، والكفر برسالته ورسله التي تقومون بها الآن.
(وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) وافتحوا قلوبكم لله ، وأشهدوه عليها بالإحساس العميق بالندم ، والابتهال الخاشع إليه ، واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم في ما أسلفتم من ذنوب (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) في موقف عمليّ ، يؤكد رجوعكم عما أنتم فيه ، ويدفع بكم إلى الموقف الصحيح الذي يضع أقدامكم على الصراط المستقيم الذي يؤدّي إلى الحصول على مغفرته ورحمته ورضوانه ، (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) فمنه الرحمة الواسعة لعباده ، والمودّة الرحيمة التي يسبغها عليهم من لطفه وعطفه.
ولعل في تعبيره عن الربّ ، بالإضافة إليه ، بعد أن كان قد أضافه إليهم ، إشارة إلى ما يملكه من المعرفة به في صفاته الحسنى ، وجهلهم بتلك الصفات. بينما كان هدف إضافته إليهم في دعوتهم للاستغفار والتوبة ، الإيحاء بأنّهم المربوبون له ، لا إلى غيره من الأرباب التي يتوهمونها ويدّعونها من دونه ، الأمر الذي يفرض عليهم المبادرة للحصول على رضاه.
... ويستمر شعيب في إنذارهم وترويضهم بمختلف الأساليب ، ولكنهم لا يرتدعون ، ولا يسمعون ، فهم في شغل عن التفكير بذلك ، لانصرافهم إلى التفكير بالوسائل التي يضعفون بها موقفه ، ويهزمون بها رسالته ، (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) فليس لهذه الأفكار التي تثيرها أمامنا ، أي صدى في نفوسنا لأنها بعيدة عن الأجواء التي عشناها في حركة العبادة ، فقد تعوّدنا على نمط من الفكر والسلوك ، عايشناه ، ولا مجال معه للنظر في تفكير جديد أو دعوة جديدة ، لأن ذلك يدفع بنا إلى الاهتزاز في