عليه ، ليؤكد لهم صلابة موقفه ، ومتانة مركزه ، وقوّة شخصيته ، وبأنه سيمضي في طريقه ، بالرغم من كل تهاويلهم وتهديداتهم ، ولن يتوقّف عن السير في الطريق إلى الله ، مهما قالوا ، ومهما فعلوا.
(وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي تابعوا الحال التي أنتم عليها في المجالات التي تملكون فيها إمكانات الحركة وظروف العمل ، فهذا شأنكم في ما تريدون وما لا تريدون ، (إِنِّي عامِلٌ) في الخط الذي أسير عليه لأني واثق بسلامته ، وصحته ، ولن يغيّر قناعاتي شيء مما تهددون به ، أو تثيرونه ضدي ... وسترون النتائج السلبية لمواقفكم الكافرة على مستوى الدنيا والآخرة ، مقارنة بالمواقف الإيجابية لموقفي في السير على خط الرسالة. (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) ويرتفع عنكم غشاء الجهل والضلال الذي يغشي عيونكم وقلوبكم (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ولن يطول انتظاري وانتظاركم فسيأتيكم العذاب الشديد ، وستعرفون من الكاذب ، والصادق في ساحة الصراع.
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) وجاء العذاب ، وامتد في كل ساحاتهم حتى لم يبق منهم أحد ، أما شعيب والمؤمنون معه فقد أنجاهم الله منهم ، لأنهم آمنوا بالله وصدقوا معه ، وثبتوا في مواقف الاهتزاز ، كذلك يرحم الله عباده المؤمنين (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) التي صعقتهم فلم يستطيعوا حراكا ولا دفاعا ، ولم يملكوا ثباتا لأقدامهم في أي موقع (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) لا يتحولون عنها (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأن لم يقيموا فيها ، فقد ذهب كل أثر للحياة فيها من خلالهم ، كما لو كانوا يعيشون فيها منذ الأزل ، (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) قرية شعيب ، وهو الدعاء بالهلاك على سبيل الكناية (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) قوم هود الذين أهلكهم الله وأبعدهم عن ساحة رحمته.
* * *