دور العبرة ، ويبقى للعبرة دور الفكرة التي تفلسف للناس مسألة العذاب لتربطها بالذهنية التي كانت تحكم الكافرين في تصورهم لحقيقة الإله ، ومعنى العبادة ، وفي ممارساتهم للحياة المنحرفة على غير خط الله ، فتلك هي فلسفة الموقف الإلهيّ الذي أقام الحجة على الناس من خلال الرسالة ، وأنذرهم بالعذاب من خلال ذلك.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) في ما تلوناه عليك من أحاديث أهلها الذين واجهوا الأنبياء بالكفر والتمرد ، (مِنْها قائِمٌ) على أعمدته وبنيانه (وَحَصِيدٌ) متساقط على الأرض لا يبين منه شيء للناظر البعيد ، (وَما ظَلَمْناهُمْ) لأننا عرّفناهم طريق الخير والشرّ ، ورزقناهم وسائل المعرفة ، وجعلنا لهم العقل ليحدّد لهم خطّ الهدى ، وأرسلنا إليهم الأنبياء ، وفتحنا لهم كل سبل النجاة على أساس الفكر والوحي والإرادة ، وأنذرناهم بالعذاب الأليم ، وجعلنا النتائج الإيجابية والسلبية تتحدد وفقا لمواقع الحرية والاختيار التي يملكونها ، وما ظلمناهم من أمرهم من شيء ، (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنهم لم يأخذوا بأسباب النجاة ، ولم يرتكزوا في حياتهم على قاعدة ثابتة من الهدى والإيمان ، بل اتبعوا غير الله من آلهة الكفر ، (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) لأنها لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ، لافتقارها إلى القوة الذاتية ، كونها مخلوقة لله محتاجة إليه في وجودها ، وفي كل شيء آخر ، فكيف تملك لغيرها النفع والضرر ، وكيف تستطيع أن تدفع عن الناس أمر الله ، (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) لأن اتباعهم لهم ، وعبادتهم إياهم أوقعاهم في خسارة الدنيا والآخرة ، وهذا هو معنى التتبيب ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) فإنه يرسل عليها الخسف ، والصيحة ، والطوفان ، والزلزال ، وغير ذلك ، كما تراه أمام عينك ، وكما تسمعه من الآخرين بأذنك ، (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
* * *