مؤبدة غير فانية ، وإنما تفنى هذه السماوات والأرض التي في هذه الدنيا على النظام المشهود ، وأما السماوات التي تظلّ الجنة مثلا ، والأرض التي تقلّها وقد أشرقت بنور ربها ، فهي ثابتة غير زائلة ، فالعالم لا يخلو منهما قط»! (١).
وقد نلاحظ أن ما استظهره العلامة الطباطبائي من الآيات التي ادعى دلالتها على فناء السماوات والأرض في عالم الدنيا غير دقيق ، لأن الآية التي تتحدث عن تبديل الأرض ليست ظاهرة في تبدل الحقيقة بل يمكن أن يكون المقصود بها تبدّل الصورة ، وهذا ما يؤكده الحديث عن تحول الجبال إلى قاع صفصف ، كما أن الآية التي تتحدث عن طيّ السماء قريبة من هذه الصورة. أما الآية التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض بالحق وأجل مسمّى ، فليس من الضروري أن يكون الأجل المسمّى أجلا لهما ، بل ربما كان الملحوظ فيه ـ كما يرى بعض المفسرين ـ المخلوقات التي تعيش عليها من خلال الحق الذي يراد لها أن تتحرك فيه ، ومن خلال الوقت الذي وقّت لها ...
وعلى كل حال ، فليس هناك من دليل على وجود سماوات وأرض في عالم الآخرة غير ما هو في عالم الدنيا ، ولا دلالة في قوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤] فلعلها تصلح دليلا على أن الجنة في الأرض كما يستفيده البعض ، أو على وراثة المؤمنين للأرض ، وللجنة التي يتحركون فيها بحرّية ، وهكذا في آية تبدّل الأرض.
أما الحديث عن الخلود في دائرة دوام السماوات والأرض ، فلا يفرض أن يكون هناك وقت محدّد لهما ، بل يمكن أن يكون تعبيرا طبيعيا عن ارتباط الجنة والنار بالمكان الذي يوجدان فيه ، تماما كما هو الأمر في حالة التعليق بالمشيئة ، كأسلوب من أساليب التنوّع في التعبير الإيحائي ، للإيحاء بالعوامل المؤثرة في امتداد الخلود في خط الأبد ، وعلاقته بطبيعة الأشياء التي لا تحمل
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١١ ، ص : ٢٥.