خلقها الله ، حين لم يكن هناك أيّ موجود يعي ذلك بفكره وعقله ، ولم يكن هناك إلّا هو. ولكن ، لن يستطيع أحد أن يدرك كيف حدث هذا ، وماذا كان قبل خلق السماوات والأرض ، وما صورة الكون في ذلك الوقت ، وما أبعاد الزمن ، إذ لم تكن مقاييسنا الفلكية لحركة الزمن قد وجدت آنذاك ، وليس عندنا من خلال المعرفة الذاتية ، المنطلقة من مواقع التأمّل والملاحظة والتجربة ما يعطينا المعرفة الكافية حول كل علامات الاستفهام وغيرها ... وكل ما هناك ليس إلا تخمينا يتخبّط في ظلام الشك ، وضباب الوهم.
ولكن الله لم يحجب عنا علمه ، فقد أوحى الله لرسله ببعض اللمحات ، التي توضح بعض ملامح الصورة ، بالمستوى الذي لا يخرجنا من آفاق الضباب ، لأن ما أراد الله لنا أن نعلمه ، هو بعض لمحات الصورة ، لا كلها ، وفي هذا المجال ، فليس لنا إلّا أن نقف حيث أراد الله لنا أن نقف ، (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قد تقدم الحديث عن هذه الفقرة في صورة الأعراف في الآية ٥٤ ، وربما كان من المفيد الإشارة إلى أن تقدير اليوم بالفترة الزمنية المحددة لليوم في هذا الكون الذي نعيش فيه الآن ، لا دليل عليه ، إلا بما يتبادر إلى الذهن من أن إطلاق الخطاب القرآني يوجب انصراف الذهن إلى ما يفهمه الناس الذين أنزل عليهم القرآن ، ولو كان المراد غيره ، لبيّن لنا حدوده كما ورد في الحديث عن يوم الآخرة في تقديره بألف سنة ، أو خمسين ألف سنة ، حسب اختلاف الموارد ، والظاهر من خلق السماوات والأرض في ستة أيّام ، إتمام عملية الخلق بجميع ما قدّره الله فيها من أنظمة وموجودات ، فلا ينافي ذلك ما ورد في سورة حكم السجدة من خلق السماوات في يومين ، وخلق الأرض في يومين مما سيأتي الحديث عنه في محله في السورة المذكورة إن شاء الله.
(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) فلم يكن هناك إلا الماء الذي كان مظهر قدرة الله وسلطانه ، مما أستعير له لفظ «العرش» وهو التعبير الكنائي عن موضع