معرفة تجعلهم في مواقع القيادة والتوجيه ، وذلك بعد أن يطّلع على قلوبهم فيجد فيهم صدق الإيمان به ، والإخلاص له ، وعمق المعرفة به ، ورفض كل شريك له.
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) وانفصلت عن كل الأفكار التي يرتبطون بها ، والمفاهيم التي يحملونها ، والأوضاع التي يعيشونها لأن قضية الإيمان بالله واليوم الآخر ليست حالة شعورية طارئة تتمايز بها المشاعر الذاتية فقط ، بل هي قاعدة للفكر وللحياة ، لارتكازها على أسس العقيدة والشريعة والأخلاق ، فهناك خطّان لحركة الإنسان في الحياة ، لا يلتقيان في أيّ موقع ، خط الإيمان بالله واليوم الآخر ، وخط الإلحاد أو الشرك به ، فلكل واحد منهما منهج للوعي وللسلوك وللعاطفة ، وهذا ما جعلني أعيش الانفصال عن هذا المجتمع الذي اختار الابتعاد عن خط الإيمان بالله واليوم الآخر ، والاقتراب من خط الكفر ، (هُمْ كافِرُونَ) ولا يمكن للمؤمن أن يلتقي بالكفر في طريق ، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وهؤلاء الذين حملوا رسالة التوحيد لله إيمانا ودعوة ومنهج حياة ، في ما يحمله فريق الإيمان في عقله وقلبه ، من رسالة وإيمان ودعوة ورفض للشرك.
(ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) لأن الذي يكتشف روح التوحيد ، لا يمكن أن يلتقي بخط الشرك في العقيدة والعبادة ، (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) بما أعدّه لهم من سبل الهداية والصلاح من خلال الوحي الذي خصّ به رسله ليبلغوه للناس ، فيهتدون به ، مما يلزمهم بالشكر له ، والشعور بالجميل الذي يطوّقهم به ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) فيشركون به ، في عبادتهم لغيره دون حجّة لهم في ذلك ، ولا دليل لهم عليه.
* * *