طبيعته ومدلوله.
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي بعد حين من الزمن ، (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) من خلال وسائلي الخاصة للمعرفة ، (فَأَرْسِلُونِ) إلى الشخص الذي يملك سرّ المعرفة للأحلام ، فقد عشت التجربة الحيّة معه إذ فسر لي رؤيا سابقة ، كانت حياتي كلها الآن شاهد صدق على صحة تفسيره ، وهكذا أرسله الملك وخاصته إلى يوسف ، فبادره بقوله : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ (١) أُخَرَ يابِساتٍ) ، أيّ رمز هو هذا الرمز ، وأيّ معنى هو هذا المعنى الذي يحتويه ، لقد عجزنا عن فهمه ، وعاش الجميع في حيرة من ذلك ، وتحوّل الأمر إلى ما يشبه القلق على المستقبل الذي ينتظرنا جميعا ، وكلنا مشدودون إلى تفسيرك ، وملهوفون إلى جوابك ، فأعطنا الجواب ، (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) حقيقة الأمر فيطمئنون إلى مستقبل حياتهم.
(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) بدون انقطاع (فَما حَصَدْتُمْ) منه (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) واحفظوه بطبيعته لئلا يتلف ويهلك ، ولا تتصرفوا فيه (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) مما تحتاجونه في الغذاء بكل اقتصاد ، (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) بما تواجهونه من حالة الجفاف والجدب التي تتحوّل إلى مجاعة وحرج وشدّة في أكثر من جانب ، مما يجعل الناس يأكلون كل ما اختزنوه في سني الخصب والرخاء ، (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) وتدّخرون وتحتفظون به من القليل القليل ، كأن هذه السنين سباع ضارية تكر على الناس لافتراسهم وأكلهم ، فيقدمون لها ما ادّخروه من الطعام فتأكله وتنصرف عنهم ، وبذلك تصبح البقرات السمان ، رمزا لسني الرخاء ، والبقرات العجاف رمزا لسني الشدّة ، وكذلك الحال بالنسبة للسنبلات الخضر والسنبلات اليابسات.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) فيأتيهم الغوث من