بيوسف ، مرتكزة في ذلك على القيم الفاسدة للمجتمع التي تعطي للقويّ الحقّ في إلصاق التهمة بالضعيف ، وإدخاله السجن على ذنب لم يرتكبه ، ويبقى القوي خارج دائرة الإدانة ، لأنه فوق مستوى الاتهام ، على أساس التقاليد الطبقيّة ، التي تجعل العدالة خاضعة للتمييز العنصري ، وقد كان لثبات يوسف بإيمانه القويّ ، وشعوره بالقوّة الكبيرة داخل ذاته ، وإصراره على تحمل أقسى الآلام مستقيما على خط الرسالة أكبر الأثر في إخضاع المجتمع ، الذي تمثل امرأة العزيز القمّة فيه ، كما أضاف حاجة الملك إليه ، عنصر قوة جديدة إلى رصيده قرّبه من مستوى الطبقة التي أدانته إن لم ترفعه فوقها ، مما أحدث هزّة عنيفة في داخل الشعور ، وحركة يقظة في أعماق الضمير ، وهذا ما ساهم بإيضاح الحقيقة وإعلانها أمام الملأ ، لا سيّما أن الملك يريد ذلك.
ولم تقف القضية عند حاجة الملك ، بل امتدّت إلى داخل الروح ، لتتحوّل إلى حالة مناجاة ذاتية ، تضع الظاهرة المنحرفة في موقعها الطبيعيّ من حركة الغرائز في داخل الجسد وحركة الانحراف في واقع النفس ، لأن الغرائز عند ما تستيقظ في الجسد وتلتهب ، توحي للنفس بمختلف الأفكار والأهواء ، وتدفعها إلى التمرد والعصيان والانحراف ، ولكنها لا تقف أمام ذلك ، في دائرة القضاء الحتميّ الذي لا فكاك منه ، بل يمكن لها أن تتحرر منه في آفاق رحمة الله التي توحي للنفس بالهداية ، وللخطوات بالاستقامة ، وللإرادة المنحرفة بالتراجع نحو الإرادة المستقيمة ، وهذا ما يعيشه الإنسان بين يدي الله في وقفته الخاشعة في حالة التوبة التي تتعلق بمغفرة الله ورحمته ليفسح لها المجال في رضوانه ، ويقبلها في خطّ هداه.
وقد نستوحي من موقف يوسف المتعالي على السجن ، الواثق بنفسه ، كيف يمكن للمؤمن العامل في سبيل الله ، الداعي إلى دينه ، أن يملك الإصرار على موقفه ، في مواقع التحدي ، ويتحمل الألم والحرمان ، ليعطي الصورة الواضحة عن قوّة الموقف الإيماني المرتكز على العقيدة الحقّة ، وليدفع