الطهارة الأخلاقية ، والعمق الروحي اللذين يساعدانه على سلامة التنفيذ ، دون أيّ خلل أو انحراف ، مما يضيف قوّة جديدة للحكم متمكنة من إدارة الدولة بطريقة ناجحة ، ومعالجة للمشاكل الصعبة ، والأزمات الخانقة. وهكذا فكر الملك أن يستدعيه ليساعده على إدارة أمور الدولة.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) لأني بحاجة إلى العقل الذي يفكر ، والإرادة التي تحسم ، والأمانة التي تحفظ ، والوداعة التي تحب وترعى وتحنو ، وهذا ما لم أجده لدى كثيرين ممن يجتمعون حولي لأجل أطماعهم وشهواتهم ، إذ إن قربهم من الحاكم يتيح لهم بعض فرص الحكم للعبث والسرقة والظلم ما توفرت الفرص المناسبة لذلك. وجاء يوسف بعد أن حصل على البراءة من التهمة التي ألصقت به ، ليتحمل المسؤولية من موقع التاريخ المشرق الطاهر الذي لا يلوثه جموح الغرائز في اتجاه الجنس المنحرف ، ولا يسقطه الضعف المتهالك أمام حالات التحدي.
لقد جاء يحمل في شخصيته ، الوعي والقوة والثقة بالموقع وبالنفس ، وبالروح التي تشعر بأنها ليست بحاجة إلى الآخرين ، لتسقط أمام رغباتهم ، بل إن الآخرين هم الذين يشعرون بالحاجة إليها ، لتفرض عليهم شروطها. وهكذا قابل يوسف الملك ، الذي عبّر أمام الناس أنه يريد أن يستخلصه لنفسه ، ليستفيد من طاقاته أعظم استفادة ، (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) عرف طبيعة القوّة التي يتمتع بها ، والعقل الذي يحمله ، والشخصية الصلبة التي يملكها ، (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) فلك المكانة التي تتيح لك تنفيذ كل رغباتك ، ولك منا الثقة التي تجعلنا نأتمنك على كل شيء ، فاطلب ما تريد من مواقع المسؤولية ، لأنك تعرف حجم قدراتك وطبيعة خبرتك في إدارة أمور المجالات التي ترتئيها.
لقد أراد أن يتحمل المسؤولية ، التي لم يطلبها يوسف لنفسه ، بل كانت