ليودّعوه ، وعرف منهم أنّهم سيعودون من جديد ، ليأخذوا مقدارا آخر من الطعام ، لأن مشكلة فقدان الغذاء التي يعيشونها ستستمر لفترة طويلة ، (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) لأتعرف عليه ، كما تعرّفت عليكم ، ولأكرم وفادته كما أكرمت وفادتكم ، لأن هذا التعارف بيننا قد أوجد رابطة وثيقة ، لا بد لها أن تمتد إلى جميع أفراد العائلة ، (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) فقد أعطيتكم حقكم وافيا ، ولم أستغل حاجتكم إليّ ، لأنقص كيلكم ، كما يفعل المحتكرون ، (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) باستضافتي لكم في المنزل الرحب الذي وجدتم فيه كل إعزاز وإكرام ... (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) فهذا هو شرط استمرار التعاون بيننا ، فامتناعكم عن المجيء به إليّ ، لأتعرّف عليه ، يوحي بعدم الثقة بي ، ويدلّ على عدم احترامكم لطلباتي التي أحاول من خلالها توثيق الصلة بكم. لعلّ إخوة يوسف قد استغربوا هذا الطلب ، أو فهموه كدليل من دلائل المودّة التي يظهرها يوسف لهم ، وأثاروا الحديث معه ، حول صعوبة تنفيذ هذا الطلب ، لأن هذا الولد محبوب لدى أبيه إلى درجة عدم مقدرته على مفارقته ، وقد لا يثق بنا ، في المحافظة عليه ، لأنه أخ غير شقيق. ووعدوه بالتجربة لتحقيق طلبه (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) من أجل تنفيذ طلبك الهادف لتعميق الثقة بيننا ، واستمرار علاقتنا في المستقبل.
وأراد يوسف أن يؤكد الجو الحميم لعلاقته بهم ، ليدفعهم إلى العودة إليه ، بعد أن يؤكدوا طبيعة الصلة الوثيقة التي تربطه بهم لدى أهلهم ، (وَقالَ لِفِتْيانِهِ) الذين يساعدونه في إدارة عملية التجارة ، (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) وأرجعوها إليهم حتى يكون ما أخذوه مجانا (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) فيجدون فيها المفاجأة الكريمة التي توحي بالثقة ، وتدفع إلى العودة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلينا في سفرة جديدة.
* * *