ذلك كله.
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ففهموا سرّ الحياة من خلال الهدوء الذي يصنعه الصبر الإيجابي في داخل الشخصية ، وفي رؤيتهم أنّ الحياة بكل مظاهرها المفرحة والمحزنة ، خاضعة لعوامل وأسباب طبيعية أودعها الله في سننه الكونية ، فإذا جاء الخير ، فإن معنى ذلك أن أسبابه متوفرة ، وإذا جاء الشر كان معناه ، أن الإمكانات لا تسمح بولادة الخير في الحياة وفي الإنسان ، تماما كما يجيء الليل وهو يحدق بالنهار ، أو يشرق النهار وهو يحمل في داخله تهاويل قدوم الليل ، فلا مشكلة مطلقة هنا ، ولا حل مطلق هناك. بل هناك الواقعية الصافية التي تواجه الأرباح بصبر ، فلا يطغيها الربح ، كما تواجه الخسائر بصبر ، فلا تصرعها الخسارة ، وهؤلاء هم الذين صبروا ولم يتزلزلوا ، بل ثبتوا أمام المتغيّرات في الحياة ، واعتبروها مسئوليّة محدّدة سواء تعلقت بحياتهم الشخصية ، أم بحياة الناس العامة ، وهذا ما عاشوه عند ما صبروا وتحمّلوا نتائج المسؤولية (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فجزاهم الله عن ذلك خيرا كثيرا ، ورفع درجتهم عنده ، لأنهم أخلصوا له العبوديّة بالقول والعمل ، (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ، وتلك هي نهاية الصابرين العاملين الصالحين.
* * *